الحجر 2
سنن النسائي
أخبرنا أحمد بن سعيد الرباطي، قال: حدثنا وهب بن جرير، قال: حدثنا قرة بن خالد، عن عبد الحميد بن جبير، عن عمته صفية بنت شيبة قالت: حدثتنا عائشة، قالت: قلت يا رسول الله ألا أدخل البيت؟ قال: «ادخلي الحجر فإنه من البيت»
الكَعبةُ هي بَيتُ اللهِ في الأرضِ، وقِبلةُ المسلمينَ، وقد عظَّمَ اللهُ قَدْرَها بيْن الناسِ، حيثُ جَعَلَها مَهوَى القُلوبِ ومَقصدًا للحجِّ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي التابعيُّ الأسودُ بنُ يَزيدَ النَّخَعيُّ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما قال له: إنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها كانت تَخُصُّك ببَعضِ حَديثِها، وسَألَه عبدُ اللهِ رَضيَ اللهُ عنه عن حَديثِها معه الذي كان في شَأنِ الكَعبةِ، فذَكَرَ لعَبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّها حدَّثَتْه عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَسألةِ هَدْمِ الكعبةِ، حيثُ إنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان يُريدُ هَدْمَها، فيَجعَلُ لها بابينِ، بابٌ يَدخُلُ منه النَّاسُ، وبابٌ يَخرُجون منه، ولكنَّه لم يَفعَلْ ذلك؛ لأنَّ قُريشًا كانت تُعظِّمُ أمرَ الكعبةِ جِدًّا، فخَشِيَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَظُنُّوا لأجْلِ قُربِ عَهْدِهم بتَرْكِ الكفْرِ ودُخولِهم في الإسلامِ- أنَّه غيَّرَ بِناءَها ليَنفرِدَ بالفخرِ عليهم في ذلك.وهذا التَّغييرُ فعَلَه ابنُ الزُّبير رَضيَ اللهُ عنهما، يعني بَنى الكَعبةَ على ما أرادَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فجاء الحَجَّاجُ فرَدَّها كما كانت، وترَكَها مَن بعدَه؛ خَشيةَ أنْ يَتلاعَبَ النَّاسُ بالكَعبةِ، فيَكثُرَ هَدْمُها وبُنيانُها، فتَذهَبَ هَيبتُها مِن صُدورِ النَّاسِ
وفي الحديثِ: ترْكُ المَصلحةِ لأمْنِ الوُقوعِ في المفسَدةِ
وفيه: تَرْكُ إنكارِ المنكَرِ خَشيةَ الوقوعِ في أنكَرَ منه
وفيه: أنَّ الإمامَ يَسُوسُ رَعيَّتَه بما فيه إصلاحُهم ولو كان مَفضولًا، ما لم يكُنْ مُحرَّمًا
وفيه: تَأليفُ وَليِّ الأمرِ قُلوبَ رَعيَّتِه؛ لئلَّا يَنفِروا، ولا يَتعرَّضُ لِما يُخافُ أنْ يَنفِروا بسَببِه، ما لم يكُنْ فيه تَرْكُ أمرٍ شَرعيٍّ