الذكر بعد الاستغفار
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن عبد الأعلى، ومحمد بن إبراهيم بن صدران، عن خالد، قال: حدثنا شعبة، عن عاصم، عن عبد الله بن الحارث، عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سلم قال: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام»
لا يَنبغِي للعبدِ أنْ يَتَّكِلَ على طاعتِه، بلْ يعتقِدَ فيها النَّقصَ، وأنَّه لمْ يُؤدِّها حقَّ الأداءِ، ثمَّ يَحرِصَ على الاستِغفارِ ليجبُرَ تقصيرَه
وفي هذا الحديثِ بيانٌ لِمَا كانَ يفعلُه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عندَما يَنصرِفُ من صلاتِه، يقولُ ثَوْبانُ رضِيَ اللهُ عنه: كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ "إذا انصرَفَ من صلاتِه"، أي: سلَّمَ مِنها "استغفرَ ثلاثًا" تواضُعًا وإظهارًا للعُبوديَّةِ- وإنْ كانَ قَدْ غُفِرَ له- وتَعليمًا لأمَّتِه، وهنا إشارةٌ لِمَا يَعرِضُ للإنسانِ منَ الخواطرِ والوَسوسةِ؛ فلا يستطيعُ العبدُ أنْ يقومَ بالعبادةِ على الوجهِ المطلوبِ فشُرِعَ له الاستغفارُ إكمالًا للعبادةِ ووفاءً بحقِّ العبوديةِ، وقالَ- أي بعدَ الاستغفارِ-: "اللَّهمَّ أنتَ السَّلامُ"، أي: أنتَ المنزَّهُ عنَ العيوبِ وكلِّ نَقصٍ، و"منْكَ السَّلامُ"، أي: نطلبُ السَّلامةَ منْ شُرورِ الدُّنيا والآخرةِ مِنْك لا مِنْ غَيرِكَ، "تباركْتَ" مِنَ البركةِ وهي الكثرةُ والنَّماءُ، أيْ: تَكاثَرَ خَيْرُك في الدَّارَينِ، "يا ذا الجَلالِ والإكرامِ" يا صاحبَ العظَمةِ والإحسانِ
وفي الحديثِ: أنَّ الاستِغفارَ ليسَ منَ الذُّنوبِ فقطْ بلْ يكونُ جَبرًا للطَّاعةِ والتَّقصيرِ فِيها