الرجاء 26
بطاقات دعوية
- وعن أَبي نجيح عمرو بن عَبَسَة - بفتح العين والباءِ - السُّلَمِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: كُنْتُ وَأَنَا في الجاهِلِيَّةِ أَظُنُّ أَنَّ النَّاسَ عَلَى ضَلاَلَةٍ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا عَلَى شَيْءٍ، وَهُمْ يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ، فَسَمِعْتُ بِرَجُلٍ بِمَكَّةَ يُخْبِرُ أَخْبَارًا، فَقَعَدْتُ عَلَى رَاحِلَتِي، فَقَدِمْتُ عَلَيهِ، فإِذَا رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُسْتَخْفِيًا، جُرَآءُ عَلَيهِ قَومُهُ، فَتَلَطَّفْتُ حَتَّى دَخَلْتُ عَلَيهِ بِمَكَّةَ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَ: «أَنَا نَبيٌّ» قُلْتُ: وَمَا نَبِيٌّ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي اللهُ» قُلْتُ: وَبِأَيِّ شَيْء أَرْسَلَكَ؟ قَالَ: «أَرْسَلَنِي بِصِلَةِ الأَرْحَامِ، وَكَسْرِ الأَوْثَانِ، وَأَنْ يُوَحَّدَ اللهُ لاَ يُشْرَكُ بِهِ شَيْءٌ»، قُلْتُ: فَمَنْ مَعَكَ عَلَى هَذَا؟ قَالَ: «حُرٌّ وَعَبْدٌ»، ومعه يَوْمَئذٍ أَبُو بكرٍ وبلالٌ - رضي الله عنهما، قُلْتُ: إِنّي مُتَّبِعُكَ، قَالَ: «إنَّكَ لَنْ تَسْتَطيعَ ذلِكَ يَومَكَ هَذَا، أَلاَ تَرَى حَالي وحالَ النَّاسِ؟ وَلَكِنِ ارْجعْ إِلَى أَهْلِكَ، فَإِذَا سَمِعْتَ بِي قَدْ ظَهرْتُ فَأْتِنِي». قَالَ: فَذَهَبْتُ إِلَى أَهْلِي، وقَدِمَ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - المَدِينَةَ حَتَّى قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ أَهْلِي المَدِينَةَ، فقُلتُ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي قَدِمَ المَدِينَةَ؟ فقالوا: النَّاسُ إِلَيهِ سِرَاعٌ، وَقَدْ أَرادَ قَومُهُ قَتْلَهُ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا ذلِكَ، فقَدِمْتُ المدينَةَ، فَدَخَلْتُ عَلَيهِ، فقُلتُ: يَا رَسُول الله أَتَعْرِفُني؟ قَالَ: «نَعَمْ، أَنْتَ الَّذِي لَقَيْتَنِي بمكَّةَ» قَالَ: فقلتُ: يَا رَسُول الله، أَخْبِرنِي عَمَّا عَلَّمَكَ اللهُ وأَجْهَلُهُ، أَخْبِرْنِي عَنِ الصَّلاَةِ؟ قَالَ: «صَلِّ صَلاَةَ الصُّبْحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاَةِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ قِيدَ رُمْحٍ، فَإنَّهَا تَطْلُعُ حِينَ تَطلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيطَان، وَحينَئذٍ يَسجُدُ لَهَا الكُفَّارُ، ثُمَّ صَلِّ فَإِنَّ الصَلاَةَ مَشْهُودَةٌ (1) مَحْضُورةٌ حَتَّى يَسْتَقِلَّ الظِّلُّ بالرُّمْحِ، ثُمَّ اقْصُرْ عَنِ الصَّلاةِ، فَإنَّهُ حينئذ تُسْجَرُ (2) جَهَنَّمُ، فإذَا أَقْبَلَ الفَيْءُ فَصَلِّ، فَإِنَّ الصَّلاةَ مَشْهُودَةٌ مَحضُورَةٌ حَتَّى تُصَلِّي العصرَ، ثُمَّ اقْصرْ عَنِ الصَّلاةِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ، فإِنَّهَا تَغْرُبُ بينَ قَرْنَيْ شَيطانٍ، وَحِينَئذٍ يَسْجُدُ لَهَا الكُفّارُ» قَالَ: فقلتُ: يَا نَبيَّ الله، فالوضوءُ حدثني عَنْهُ؟ فَقَالَ: «مَا مِنْكُمْ رَجُلٌ يُقَرِّبُ وَضُوءهُ، فَيَتَمَضْمَضُ وَيسْتَنْشِقُ فَيَسْتَنْثِرُ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا وَجْهِهِ مِنْ أَطْرَافِ لِحْيَتِهِ مَعَ المَاءِ، ثُمَّ يَغْسِلُ يَدَيهِ إِلَى المِرفَقَيْن، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا يَدَيْهِ مِنْ أَنَامِلِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يَمْسَحُ رَأْسَهُ، إِلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رَأْسِهِ مِنْ أَطْرَافِ شَعْرِهِ مَعَ الماءِ، ثُمَّ يغسل قدميه إِلَى الكَعْبَيْنِ، إلاَّ خَرَّتْ خَطَايَا رِجلَيْهِ مِنْ أَنَاملِهِ مَعَ الماءِ، فَإنْ هُوَ قَامَ فَصَلَّى، فَحَمِدَ اللهَ تَعَالَى، وأَثنى عَلَيهِ ومَجَّدَهُ بالَّذي هُوَ لَهُ أَهْلٌ، وَفَرَّغَ قلبه للهِ تَعَالَى، إلاَّ انْصَرفَ مِنْ خَطِيئَتِهِ كهيئته يَومَ وَلَدتهُ أُمُّهُ».
فحدث عَمرُو بن عَبسَة بهذا الحديث أَبَا أُمَامَة صاحِب رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ لَهُ أَبُو أُمَامَة: يَا عَمْرُو بنُ عَبسَة، انْظُر مَا تقولُ! في مقامٍ واحدٍ يُعْطَى هَذَا الرَّجُلُ؟ فَقَالَ عَمْرٌو: يَا أَبَا أُمَامَة، لقد كَبرَتْ سِنّي، وَرَقَّ عَظمِي، وَاقْتَرَبَ أَجَلِي، وَمَا بِي حَاجَةٌ أَنْأَكْذِبَ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَلاَ عَلَى رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - لَوْ لَمْ أَسمعه مِنْ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - إلاَّ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَينِ أَوْ ثَلاثًا - حَتَّى عَدَّ سَبْعَ مَرَّات - مَا حَدَّثْتُ أَبدًا بِهِ، وَلكنِّي سمعتُهُ أكثَر من ذلِكَ. رواه مسلم. (1)
قوله: «جُرَآءُ عَلَيهِ قَومُه» هُوَ بجيم مضمومة وبالمد عَلَى وزنِ عُلماءَ، أيْ: جَاسِرونَ مُستَطِيلُونَ غيرُ هائِبينَ، هذِهِ الرواية المشهورةُ، ورواه الحُمَيْدِيُّ (2) وغيرُهُ «حِرَاءٌ» بكسر الحاء المهملة، وَقالَ: معناه غِضَابٌ ذَوُو غَمّ وهَمّ، قَدْ عِيلَ صَبرُهُمْ بِهِ، حَتَّى أثَّرَ في أجسامهم، من قولِهِم: حَرَى جسمهُ يَحْرَى، إِذَا نَقَصَ مِنْ ألمٍ أَوْ غَمٍّ ونحوهِ، والصَّحيحُ أنَّهُ بالجيمِ.
قوله - صلى الله عليه وسلم: «بَيْنَ قَرنَيْ شيطان» أيْ ناحيتي رأسِهِ والمرادُ التَّمْثيلُ، وَمعْنَاهُ: أنه حينئذٍ يَتَحرَّكُ الشَّيطَانُ وَشيعَتُهُ، وَيتَسَلَّطُونَ.
وقوله: «يُقَرِّبُ وَضوءهُ» معناه يُحضِرُ الماءَ الَّذِي يَتَوضّأ بِهِ، وقوله: «إلاَّ خَرَّت خطايا» هُوَ بالخاءِ المعجمة: أيْ سقطت، ورواه بعضُهم «جَرَت» بالجيم، والصحيح بالخاءِ وَهُوَ رواية الجمهور. وقوله: «فينْتَثرُ» أيْ يَستخرجُ مَا في أنفهِ مِنْ أذىً والنَّثْرَةُ: طَرَفُ الأنْفِ.