الكراهية في تأخير الوصية 5

سنن النسائي

الكراهية في تأخير الوصية 5

أخبرنا محمد بن بشار، قال: حدثنا محمد، قال: حدثنا شعبة، قال: سمعت أبا إسحاق، سمع أبا حبيبة الطائي، قال: أوصى رجل بدنانير في سبيل الله، فسئل أبو الدرداء، فحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل الذي يعتق أو يتصدق عند موته مثل الذي يهدي بعدما يشبع»

كان النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُرَبِّي أُمَّتَه على الفَضيلةِ والسَّخاءِ والتكافُلِ فيما بيْنَهم، والإسراعِ بالعَملِ الصالحِ مِن الصدَقاتِ والتطَوُّعِ قبْلَ أن يأتيَهم المَوتُ
وفي هذا يَحكي يَروي أبو هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ رجُلًا جاء إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فسَأله: أيُّ الصَّدَقةِ أَعْظَمُ أجْرًا وأكثَرُ نفعًا لصاحِبِها؟ فأخبَرَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه ما يَتصَدَّقُ بها الإنسانُ وهو صحيحٌ ليس فيه مرَضٌ أو عِلَّةٌ تقْطَعُ أمَلَه في الحياةِ، وهو وقتٌ يُصادِفُ مَن يكونُ مِن شأنِه الشُّحُّ، وهو البُخلُ مع الحِرصِ، ويَخافُ مِن الوُقوعِ في الفَقرِ، ويَأْمُلُ الغِنَى ويَرجوه ويَطمَعُ فيه لِنفْسِه، وهذا في فَترةِ الحياةِ كلِّها، وخاصَّةً وقْتَ الرَّغدِ والنَّعيمِ، فيَكونُ الإنسانُ أكثَرَ حِرصًا، فإذا تصَدَّق مع كلِّ هذه المَوانعِ والمُغرياتِ الَّتي تَحُثُّه على حِفظِ المالِ فذلك أعظَمُ أجرًا، ثمَّ حذَّره النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن آفةٍ تُصيبُ كثيرًا مِن النَّاسِ، وذلك بأنَّ يَنتظِرَ ويَتمهَّلَ ويؤخِّرَ التصَدُّقَ، حتَّى إذَا بَلَغَت رُوحُه الحُلْقُومَ، وشعَرَ بقُربِ المَوتِ، وتأكَّدَ أنَّ المالَ لن يَنفَعَه، وأنَّه سيَترُكُه- أَوْصى لِفُلَانٍ بكذا، ولِفُلانٍ بكذا، وأخبَرَ أنَّه قدْ كان لِفُلانٍ مِن الدُّيونِ أو الحُقوقِ، وقد أصبَح المالُ مِلكًا للورَثةِ، فهذا أقَلُّ أجرًا
فبيَّنَ لنا النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ أن تَتصدَّقَ حالَ حياتِك وصحَّتِك، مع احتياجِك إلى المالِ واختصاصِك به، لا في حالِ سقَمِك وسياقِ مَوتِك؛ لأنَّ المالَ حينَئذٍ خرَج عنك وتعلَّقَ بغيرِك
وفي الحديثِ: فضلُ صدَقةِ الشَّحيحِ الصَّحيحِ
وفيه: التَّحذيرُ مِن التَّسويفِ بالإنفاقِ استِبعادًا لحُلولِ الأجَلِ، واشتِغالًا بطولِ الأمَلِ
وفيه: أنَّ المرضَ يَقصُرُ يدَ المالكِ عن بعضِ مِلكِه، وأنَّ سَخاوتَه بالمالِ في مرَضِه لا تمحو عنه سِمَةَ البُخلِ
وفيه: أنَّ أعمالَ البِرِّ كلَّها إذا صَعُبَتْ كان أجرُها أعظَمَ
وفيه: أنَّ الصَّدقةَ في وقتِ صِحَّةِ الإنسانِ وسلامتِه أفضلُ مِن الوصيَّةِ