الوقت الذي وافى فيه النبي صلى الله عليه وسلم مكة 2
سنن النسائي
أخبرنا محمد بن بشار، عن يحيى بن كثير أبو غسان، قال: حدثنا شعبة، عن أيوب، عن أبي العالية البراء، عن ابن عباس، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم لأربع مضين من ذي الحجة وقد أهل بالحج، فصلى الصبح بالبطحاء، وقال: «من شاء أن يجعلها عمرة فليفعل»
الحجُّ الرُّكنُ الخامسُ مِن أَركانِ الإِسْلامِ، وهوَ عِبادةٌ لمَنِ استَطاعَ إليها سبيلًا، وتُؤخَذُ جميعُ أَعْمالِه مِن سُنَّةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، وقد حرَصَ أصْحابُ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على نَقلِ ذلك للتَّابِعينَ
وهذا الحَديثُ مُختصَرٌ من حديثٍ آخَرَ عندَ مُسلمٍ، وفيه يقولُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «أَهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالحَجِّ»، أي: خرَجَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منَ المدينةِ يُريدُ الحجَّ، فأحْرَمَ بالحَجِّ ورَفَعَ صَوتَه بالتَّلبيةِ، وكان إحْرامُه وإهْلالُه بذي الحُلَيفةِ وتُسَمَّى حاليًّا (آبارَ عليٍّ)، فَقَدِمَ إلى مَكَّةَ لأَربعِ ليالٍ مَضَيْنَ من ذي الحِجَّةِ سنةَ عَشرٍ منَ الهِجرةِ، فصلَّى الصُّبْحَ، بالبَطْحاءِ صَبيحةَ اليومِ الرَّابعِ لذي الحِجَّةِ، والبَطْحاءُ: مَوضِعٌ خارجَ مكَّةَ، وهو مَسيلٌ واسعٌ فيه دِقاقُ الحَصَى، ويُسمَّى أيضًا المُحَصَّبَ، فلمَّا صلَّى الصُّبحَ أمَرَهم بالتَّحلُّلِ منَ الحجِّ إلى العُمْرةِ؛ وذلك لأنَّهم في الجاهليَّةِ «كانوا يَرَوْنَ أَنَّ العُمْرَةَ في أَشْهُرِ الحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الفُجورِ في الأَرْضِ» متَّفَقٌ عليه، فأرادَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنْ يَنْهاهم عن ذلك ويُبيِّنَ حِلَّه، وأنَّ مَنْ شاءَ أنْ يَعتمِرَ في أَشْهُرِ الحَجِّ فلْيَعتمِرْ، ولا حرَجَ. ويَصيرُ مُتمتِّعًا؛ فإذا قدِمَ الإنْسانُ مَكَّةَ في أشهُرِ الحجِّ واعتَمَرَ وانْتَهى مِن عُمرتِه، فله أنْ يَتحلَّلَ مِن إحْرامِه، ويَتمتَّعَ بكلِّ ما هو حلالٌ حتَّى تَبدَأَ مَناسِكُ الحجِّ، فيُحرِمَ بالحجِّ
وقد قيلَ: إنَّه أمَرَ مَنْ لم يكُنْ معَه الهَدْيُ بذلك، أمَّا مَنْ ساقَ الهَدْيَ فيَبْقى على إحْرامِه بالحجِّ ولا يتحلَّلُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «لولا أنَّ مَعي الهَدْيَ لأَحْلَلْتُ» متَّفقٌ عليه