‌‌الوقت الذي يجمع فيه المقيم 2

سنن النسائي

‌‌الوقت الذي يجمع فيه المقيم 2

أخبرني أبو عاصم خشيش بن أصرم قال: حدثنا حبان بن هلال، حدثنا حبيب وهو ابن أبي حبيب، عن عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس: «أنه صلى بالبصرة الأولى، والعصر ليس بينهما شيء، والمغرب والعشاء ليس بينهما شيء فعل ذلك من شغل». وزعم ابن عباس «أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة الأولى، والعصر ثمان سجدات ليس بينهما شيء»

شَريعةُ الإسلامِ شريعةٌ سمحةٌ سهلةٌ مُيسَّرةٌ، ومِن مظاهرِ ذلك: الرُّخَصُ التي يُدفَعُ بها الحرَجُ عن أهلِ الأعذارِ فيما لا يَقدِرونَ عليه، أو إذا ما اضطرَّتْهم الحاجةُ إلى الأخذِ بها
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ جابرُ بنُ زيدٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنهما: "أنَّه صلَّى بالبَصرةِ الأُولى"، أي: صلاةَ الظُّهرِ، والبَصرةُ بَلدةٌ مِن بلادِ العِراقِ، "والعصرَ ليس بينَهما شيءٌ"، أي: لم تكُنْ بينَهما نافلةٌ، "والمغرِبَ والعِشاءَ ليس بينَهما شيءٌ؛ فعَل ذلكَ مِن شُغُلٍ"، أي: يَجمَعُ بين كلِّ صلاتينِ دونَ قَصْرٍ؛ وذلكَ لِمَن شُغِلَ يومَه عن أداءِ الصَّلاةِ على مواقيتِها، قيل: وقد جاء في صحيحِ مُسلِمٍ بيانُ الشُّغُلِ الَّذي مِن أجلِه جمَع ابنُ عبَّاسٍ بين كلِّ صَلاتينِ، وهو اشتغالُه بالخُطبةِ، وقد ورَدَ ذلك في صَحيحِ مُسلِمٍ وغيرِه، عن عَبدِ اللهِ بن شَقِيقٍ، قال: "خطَبَنا ابنُ عبَّاسٍ يومًا بعد العصرِ حتَّى غرَبَتِ الشَّمسُ، وبدَتِ النُّجومُ، وجعَل النَّاسُ يقولونَ: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، قال: فجاءَه رجُلٌ مِن بني تَميمٍ، لا يفتُرُ، ولا يَنْثَني: الصَّلاةَ الصَّلاةَ، فقال ابنُ عبَّاسٍ: أتُعلِّمُني بالسُّنَّةِ لا أمَّ لكَ؟! ثمَّ قال: رأَيْتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم جمَع بينَ الظُّهرِ والعصرِ، والمغرِبِ والعِشاءِ"
قال جابرُ بنُ زَيدٍ: "وزعَم ابنُ عبَّاسٍ"، أي: أخبَرَ: "أنَّه صلَّى مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالمدينةِ الأُولى"، أي: الظُّهرَ، "والعصرَ ثمانَ سَجَداتٍ ليس بينَهما شيءٌ"، أي: ثمانَ ركَعاتٍ، عبَّر عن الرَّكعةِ بالسَّجدةِ؛ إشارةً إلى أنَّ الصَّلاةَ لم يكُنْ بها قَصْرٌ عندما جمَعها في الحضَرِ، ولم يُصلِّ بينَهم نافلةً
وقد اختَلَف أهلُ العِلمِ في الجمعِ بينَ الصَّلاتَيْنِ في الحضَرِ، وأقربُ الأقوالِ القولُ بمَشروعيَّةِ الجَمْعِ الحقيقيِّ في الحَضَرِ أحيانًا إذا احتِيجَ إليه؛ دَفْعًا للحرَجِ والمشَقَّةِ، ويَترجَّحُ عند وجودِ المطرِ أو الريحِ الشديدةِ أو الخوفِ، وفي روايةٍ لمسلم قال: "صلَّى رسولُ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم الظهرَ والعصرَ جميعًا، والمغربَ والعِشاءَ جميعًا من غير خوفٍ ولا سَفرٍ. وفي روايةٍ: "ولا مطرٍ"، وقد سُئِلَ ابنُ عبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: لِمَ فَعَل النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ذلك؟ فقال: "أرادَ ألَّا يُحرِجَ أُمَّتَه"، أي: لا يُضيِّقَ عليها في تَرْكِ الجَمْعِ لا في الحَضرِ إذا وُجِدَ العُذرُ، كما في السَّفرِ .