باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

بطاقات دعوية

باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

عن أنس قال: قدم أناس [كان بهم سقم 7/ 13] من عكل أو عرينة (وفي طريق: وعرينة 5/ 70 [ثمانية 4/ 22] [على النبي - صلى الله عليه وسلم - وتكلموا بالإسلام (وفي رواية: فأسلموا 8/ 19)، فقالوا: يا نبي الله! إنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف]، [آونا وأطعمنا]، (فـ) [كانوا في الصفة] [فـ] اجتووا (29) (وفي رواية: استوخموا) المدينة، (وفي طريق: فلما صحوا قالوا: إن المدينة وخمة، [فقالوا: يا رسول الله! أبغنا رسلا (30)، قال:
" ما أجد لكم إلا أن تلحقوا بالذود] (31) "، فأمرهم النبي - صلى الله عليه وسلم - بلقاح [وراع]، (وفي رواية: فرخص لهم أن يأتوا إبل الصدقة، 2/ 137) وأن يشربوا من أبوالها وألبانها، فانطلقوا، [فشربوا من أبوالها وألبانها]، فلما صحوا (وفي رواية: صلحت أبدانهم) [وسمنوا] [كفروا بعد إسلامهم و] قتلوا راعي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واستاقوا النعم (وفي رواية: الذود)، فجاء الخبر (وفي رواية: الصريخ) [النبي - صلى الله عليه وسلم -] في أول النهار، فبعث [الطلب] في آثارهم، فلما ارتفع (وفي رواية: ترحل) النهار جيء بهم [فأمر بهم] فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمرت (وفي رواية: وسمل 8/ 19) أعينهم، (وفي رواية: ثم أمر بمسامير فأحميت، فكحلهم بها)، [ثم لم يحسمهم]، وألقوا في الحرة، يستسقون فلا يسقون، فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه (وفي طريق: يعضون الحجارة)، [حتى ماتوا على حالهم]. قال أبو قلابة: فهؤلاء [قوم] سرقوا، وقتلوا، وكفروا بعد إيمانهم، وحاربوا الله ورسوله، [وسعوا في الأرض فسادا].
[قال سلام بن مسكين: فبلغني أن الحجاج قال لأنس: حدثني بأشد عقوبة عاقبه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فحدثه بهذا، فبلغ الحسن، فقال: وددت أنه لم يحدثه بهذا].
[قال قتادة: فحدثني محمد بن سيرين أن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود].

الخيانةُ صِفةٌ نَكْراءُ تَنفِرُ منها الطِّباعُ السَّويَّةُ، فإذا أُضِيفَ للخِيانةِ القَتلُ والسَّرِقةُ، ازْدادَ سُوؤها وعارُها، واستَحَقَّ فاعِلُها أشدَّ العُقوبةِ وأشنَعَها.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ أنَسٌ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ ناسًا مِن عُكْلٍ وعُرَيْنةَ -وعُكْلٌ: قَبيلةٌ مِن قَبائلِ العرَبِ، وعُرَيْنةُ: حَيٌّ مِن قَبيلةِ بَجيلةَ- قَدِموا المَدينةَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ونَطَقوا بكَلمةِ التَّوْحيدِ، وأظْهَروا الإسْلامَ، ولكنَّهم كَرِهوا الإقامةَ بالمَدينةِ؛ لِمَا أصابَهم مِن الدَّاءِ في أجْوافِهم، فقالوا: يا نَبيَّ اللهِ، إنَّا كُنَّا أهلَ ضَرْعٍ، أي: ماشيةٍ وإبِلٍ، ولم نكُنْ أهلَ ريفٍ، أي: أرضِ زَرعٍ وخِصبٍ، واستَوْخَموا المَدينةَ، أي: لم تُوافِقْهم في جَوِّها وهَوائِها، فأمَرَ لهم رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بذَوْدٍ وراعٍ، والذَّوْدُ مِن الإبلِ: ما بيْن الثَّلاثةِ إلى العَشَرةِ، وأمَرَهم أنْ يَخْرُجوا في الذَّوْدِ، فيَشْرَبوا مِن ألْبانِها وأبْوالِها، وكانتِ الإبِلُ تَرْعى خارجَ المَدينةِ آنَذاكَ، وكان على هذه الإبِلِ الَّتي أرسَلَهم إليها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ راعٍ يَرْعاها، وكان اسمُه يَسارًا النُّوبيَّ، فانْطَلَقوا حتَّى إذا كانوا ناحيةَ الحَرَّةِ، وهو مَكانٌ في المَدينةِ أرْضُه ذاتُ حِجارةٍ سُودٍ كأنَّها احتَرَقَتْ بالنَّارِ، وصَحَّت أجسامُهم وسَمِنوا، ورجَعَتْ إليهم ألْوانُهم بعْدَ أنْ شَرِبوا مِن ألْبانِ الإبِلِ وأبْوالها؛ كَفَروا بعدَ إسْلامِهم، وقَتَلوا راعيَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَسارًا، ومَثَّلوا به، وذلك عندَما اسْتاقوا الذَّوْدَ، وأدْرَكَهم يَسارٌ، فَقاتَلَهم فقَطَعوا يَدَه ورِجلَه، وغَرَزوا الشَّوكَ في لِسانِه وعَينِه حتَّى قُتِلَ، فبلَغَ ذلك النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فبعَثَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ناسًا وَراءَهم، فأدْرَكوهم، وأمْسَكوا بهم، فأُخِذوا، فأمَرَ بهم، فسَمَروا أَعيُنَهم، أي: كُحِلَتْ بالمَساميرِ المْحَميَّةِ، وقَطَعوا أيْديَهم وأرجُلَهم، وتُرِكوا في ناحيةِ الحَرَّةِ حتَّى ماتوا على حالِهم؛ جَزاءً لخِيانَتِهم، وقِصاصًا لِما فَعَلوه بِراعي النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقال قَتادةُ بنُ دِعامةَ: بلَغَنا أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعْدَ ذلك كانَ يحُثُّ على الصَّدَقةِ، ويَنْهى عَنِ المُثْلةِ، والمُثْلةُ: هي قَطعُ أطْرافِ الإنْسانِ، أوِ الحَيوانِ، وتَشْويهُه، وكذا قَطعُ أنْفِه أو أُذنِه، إلَّا إذا كانتِ المُثْلةُ قِصاصًا؛ فإنَّه غيرُ مَنْهيٍّ عنها؛ لأنَّه تعالَى قال: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126]، وهو ما فعَلَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مع قَتَلةِ الرَّاعي، وقد فعَلَ فيهم مِثلَ ما فَعَلوه في الرَّاعي.
وفي الحَديثِ: التَّحْذيرُ مِنَ الخيانةِ، وسُوءِ عاقِبةِ الخائِنينَ.
وفيه: أنَّ العُقوبةَ على قَدرِ الجُرْمِ.
وفيه: مَشْروعيَّةُ التَّداوي بألْبانِ الإبلِ وأبْوالِها.