باب أيام الجاهلية 8
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لأبي بكر غلام يخرج له الخراج (26)، وكان أبو بكر يأكل من خراجه، فجاء يوما بشيء، فأكل منه أبو بكر، فقال له الغلام: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكر: وما هو؟ قال: كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية، وما أحسن الكهانة؛ إلا أني خدعته، فلقيني، فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكلت منه. فأدخل أبو بكر يده، فقاء كل شيء في بطنه.
الوَرَعُ خُلقٌ إسْلاميٌّ أصيلٌ، لا يَنبُعُ إلَّا مِن قَلْبِ مُؤمِنٍ قَويِّ الإيمانِ، وشَخصٍ أقامَ دُنْياهُ لتَخدُمَ آخِرتَه، فكانتِ الدُّنْيا بزُخرُفِها في يَدِه، وفي سَبيلِ اللهِ، لا في قَلبِه.
وفي هذا الحَديثِ تُخبِرُ أمُّ المؤمِنينَ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّه كان لأبيها أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضيَ اللهُ عنه غُلامٌ يُخرِجُ له الخَراجَ، وخَراجُ العبدِ هو: الضَّريبةُ الَّتي يتَّفِقُ العبدُ مع سيِّدِه على إخْراجِها له، وأدائِها إليه في كلِّ يومٍ، أو كلِّ شَهرٍ، وكان أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه يَأكُلُ مِن خَراجِه إذا سَألَه عنه، وعرَفَ حِلَّه، فجاء يومًا بشَيءٍ مِن كَسْبِه، فأكَل منه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه ولم يَسألْه، فقال له الغُلامُ: تَدْري ما هذا الَّذي جِئتُكَ به وأكلْتَ منه؟ فقال أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه: وما هو؟ قال: كُنتُ تَكهَّنْتُ لإنْسانٍ في الجاهِليَّةِ، وهي مدَّةُ ما قبْلَ الإسْلامِ، والكِهانةُ هي الإخْبارُ بالغَيبِ مِن غيرِ طَريقٍ شَرعيٍّ، وكانت كَثيرًا في الجاهِليَّةِ، وأخْبَرَه أنَّه لا يُحسِنُ الكِهانةَ ولكنَّه خدَعَ الرَّجلَ، فلمَّا قابَلَه أعْطاهُ أجْرَهُ، وهو الطَّعامُ الَّذي أكَلَ منه أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه، فلمَّا سَمِعَ ذلك أبو بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه أدخَلَ يَدَه في فَمِه، فاستَفرَغَ ما في بَطنِه؛ لئَلَّا يَتغَذَّى بَطنُه بحَرامٍ؛ وذلك لأنَّ عِوَضَ الكِهانةِ مَنهيٌّ عنه، سَواءٌ كان الكاهنُ يُحسِنُ صَنْعةَ الكِهانةِ، أو لا يُحسِنُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -في الحَديثِ المُتَّفَقِ عليه- قدْ نَهَى عن حُلْوانِ الكاهِنِ، وهي أُجْرتُه على كِهانَتِه.
وفي الحَديثِ: وَرَعُ أبي بَكرٍ رَضيَ اللهُ عنه.
وفيه: تَحْريمُ الكِهانةِ وكَسبِها.