باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه -2

باب أين يقوم الإمام من الميت إذا صلى عليه -2

فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وجىء بالرجل فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال يا رسول الله تبت إلى الله. فأمسك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يبايعه ليفى الآخر بنذره.
قال فجعل الرجل يتصدى لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليأمره بقتله وجعل يهاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يقتله فلما رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه لا يصنع شيئا بايعه فقال الرجل يا رسول الله نذرى. فقال « إنى لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفى بنذرك ». فقال يا رسول الله ألا أومضت إلى فقال النبى -صلى الله عليه وسلم- « إنه ليس لنبى أن يومض ». قال أبو غالب فسألت عن صنيع أنس فى قيامه على المرأة عند عجيزتها فحدثونى أنه إنما كان لأنه لم تكن النعوش فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها يسترها من القوم. قال أبو داود قول النبى -صلى الله عليه وسلم- « أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ». نسخ من هذا الحديث الوفاء بالنذر فى قتله بقوله إنى قد تبت.

حرص الصحابة رضوان الله عليهم على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم قولا وعملا، وبينوها للناس بعدهم؛ حتى يكونوا على علم بها ويعملوا بها
وفي هذا الحديث يقول نافع أبو غالب: "كنت في سكة"، والسكة هي الزقاق، "المربد"، وهو المكان الذي يكون للغنم، "فمرت جنازة معها ناس كثير"، يعني: يشيعها ناس كثيرون، "فقالوا: هذه جنازة عبد الله بن عمير، فتبعتها"، يعني شيعتها معهم، "فإذا أنا برجل عليه كساء رقيق على بريذينته"، وهو الفرس غير العربي، "وعلى رأسه خرقة تقيه"، أي: تحميه من حر الشمس، "فقلت"، يعني سألت: "من هذا الدهقان؟"، والدهقان هو من يكون رئيس البلدة، "فقالوا لي: هذا أنس بن مالك، من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وضعت الجنازة"، يعني جنازة عبد الله بن عمير، "قام أنس فصلى عليها، وأنا خلفه، لا يحول بيني وبينه شيء، فقام أنس رضي الله عنه عند رأسه"، أي: عند رأس الميت، "فكبر أربع تكبيرات، لم يطل ولم يسرع"، يعني كان أمره وسطا بين الإسراع وبين التطويل، "ثم ذهب أنس ليقعد"، لما فرغ من الصلاة على الجنازة، "فقالوا: يا أبا حمزة"، وهي كنية أنس رضي الله عنه، "المرأة الأنصارية"، يعني هناك جنازة المرأة الأنصارية، "فقربوها"، أي: الجنازة "وعليها نعش أخضر"، وهو غطاء ستروها به، "فقام أنس رضي الله عنه عند عجيزتها"، أي: عند وسطها فصلى عليها نحو صلاته على الرجل ثم جلس، "فقال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، هكذا كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ يصلي على الجنازة كصلاتك؛ يكبر عليها أربعا، ويقوم عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟"، والمعنى: هل فعلك وصلاتك على الجنازة مطابق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في التكبير والوقوف عند رأس الرجل وعجيزة المرأة؟ "فقال له أنس: نعم"، أي: إن ما فعلته هو سنة النبي صلى الله عليه وسلم
"ثم قال العلاء بن زياد: يا أبا حمزة، غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟"، يعني: هل خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته؟ "فقال أنس: نعم، غزوت معه حنينا"، يعني: خرجت معه في غزوة حنين، ثم قص عليه أنس ما جرى في هذه الغزوة، قال: "فخرج المشركون فحملوا علينا"، يعني هجموا علينا، "حتى رأينا خيلنا وراء ظهورنا وفي القوم رجل يحمل علينا فيدقنا ويحطمنا"، أي: يكسرنا ويقطعنا بالسيوف،"فهزمهم الله"، أي: أصابهم الله بالهزيمة، "ونصر رسوله والمسلمين، وجعل يجاء بهم"، أي: بالأسرى، "فيبايعونه على الإسلام"، أي: يبايعون النبي صلى الله عليه وسلم على الدخول في الإسلام
"فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: إن علي نذرا إن جاء الله بالرجل الذي كان منذ اليوم يحطمنا لأضربن عنقه"، أي: لأقتلنه، "فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم"، أي: لم يعقب على كلام الرجل، "وجيء بالرجل، فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الرجل: يا رسول الله، تبت إلى الله"، أي: ندمت على ما فعلته معكم ورجعت إلى الله، "فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبايعه"، أي: توقف النبي صلى الله عليه وسلم عن مبايعته؛ "حتى يفي الآخر بنذره"، وهو الرجل صاحب النذر الذي نذر أن يقتل هذا المهاجم إن جاء
قال: "فجعل الرجل يتصدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ليأمره بقتله"، أي: إنه ينتظر منه إشارة وأمرا بقتله، "وجعل يهاب أن يقتله"، أي: يمنعه الخوف من النبي صلى الله عليه وسلم وهيبته قتل الرجل دون إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم، "فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا يصنع شيئا"، يعني مما نذر على نفسه، "بايعه النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: يا رسول الله، نذري؟!"، يعني: إني أريد أن أفي بنذري الذي نذرت من قتل هذا الرجل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إني لم أمسك عنه منذ اليوم إلا لتوفي بنذرك"، يعني: إني توقفت عن مبايعته؛ لكي تفي بنذرك وتقتله، "فقال الرجل: يا رسول الله، ألا أومضت إلي؟!"، يعني أشرت إلي، "فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إنه ليس لنبي أن يومض"، أي: ما ينبغي لنبي أن يظهر شيئا ويبطن شيئا آخر، ولا أن تكون له خائنة عين
ثم قال أبو غالب: "فسألت عن صنيع أنس"، أي: عما فعله "في قيامه على المرأة" في صلاة الجنازة "عند عجيزتها"، أي: بمحاذاة وسطها ومؤخرتها، "فحدثوني"، أي: حدث أبا غالب من سأله، "أنه إنما فعل ذلك"، أي: أنس من قيامه بمحاذاة عجيزتها؛ "لأنه لم تكن هناك النعوش"، أي: سرير للموتى الذي يغطي من بداخله عن الأنظار، ثم أردف بكلام سمعه عن علة ذلك: "فكان الإمام يقوم حيال عجيزتها؛ يسترها من القوم"، يعني: أن سبب وقوفه عند وسطها سترها من القوم
وفي الحديث: بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الجنازة، وبيان مكان قيامه في جنازة الرجل وجنازة المرأة
وفيه: أن الإمام له الخيار بين أن يقتل البالغين من الرجال الأسارى، وبين أن يحقن دماءهم إذا لم يدخلوا في الإسلام