باب إثم من منع ابن السبيل من الماء
بطاقات دعوية
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"ثلاثة [لا يكلمهم الله و 3/ 160] لا ينظر إليهم يوم القيامة، ولا يزكيهم، ولهم عذاب أليم: رجل كان له فضل ماء بالطريق، فمنعه من ابن السبيل، [فيقول الله: اليوم أمنعك فضلي كما منعت فضل ما لم تعمل يدك 3/ 78 (وفي رواية: يداك 8/ 185)]، ورجل بايع إماما، لا يبايعه إلا لدنيا [ه]، فإن أعطاه منها رضي،وإن لم يعطه منها سخط، (وفي رواية: إن أعطاه ما يريد وفى له، وإلا لم يف له)، ورجل أقام سلعته (وفي رواية: ورجل ساوم رجلا بسلعة) بعد العصر، فقال: والله الذي لا إله غيره، لقد أعطيت بها كذا وكذا، (وفي رواية: أكثر مما أعطى) [وهو كاذب 8/ 185]، فصدقه رجل، [فأخذها]، ثم قرأ: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}
إلْحاقُ الضَّررِ والأَذى بالنَّاسِ أمْرٌ مُستقبَحٌ في الدُّنيا، وجالبٌ لِصاحِبِه الخُسرانَ والبَوارَ في الآخرةِ.
وفي هذا الحَديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن ثَلاثةِ أصنافٍ من النَّاسِ لا يَنظُرُ اللهُ إليهم يَومَ القيامةِ نَظَرَ رَحْمةٍ وعطْفٍ وإحسانٍ، ولا يُكلِّمُهم بما يَسُرُّهم، وفي رِوايةٍ أُخرى للبُخاريِّ زِيادةُ: «وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ»، أي: لا يُطهِّرُهم مِنَ الذُّنوبِ بالمَغفرةِ، ولا يُثْني عليهم، بلْ يَسخَطُ عليهم ويَنتقِمُ منهم. ولهم منه عَذابٌ مُوجِعٌ بسَببِ ما ارْتَكَبوه.
الأوَّلُ: بائِعٌ حلَفَ كذِبًا أنَّه اشْترَى سِلْعةً بأكثرَ مِن الثَّمنِ الَّذِي اشْتَراها به حَقيقةً، ويُريدُ أنْ يَبِيعَها به، فصَدَّقَه المُشتري لأجْلِ تلك اليمينِ، وهو كاذِبٌ فيها.
والثاني: رَجُلٌ حلَفَ كَذِبًا يَدَّعِي بذلك شَيئًا مِن مالِ أخِيه بغَيرِ حقٍّ، فيَحلِفُ ليَأخُذَ مالَ غيرِه الَّذي لا يَحِلُّ له. وخَصَّ وقْتَ العَصْرِ بتَعظيمِ الإثْمِ فيه -وإنْ كانت اليَمِينُ الفاجِرَةُ مُحرَّمةً في كلِّ وقتٍ-؛ لأنَّ اللهَ عظَّمَ شَأنَ هذا الوقتِ بأنْ جَعَل الملائكةَ تَجتمِعُ فيه، وهو وقْتُ خِتامِ أعمالِ اليومِ، والأُمورُ بِخَواتِيمِها.
والثالثُ: رَجُلٌ حَرَم النَّاسَ مِن الماءِ الزَّائدِ عن حاجتِه، وفي رِوايةٍ في الصَّحيحينِ قيَّدَ المنْعَ بابنِ السَّبيلِ، وهو المسافرُ المُضطرُّ للماءِ لنفْسِه أو حَيوانٍ مُحترَمٍ معه. فيَقولُ اللهُ له يومَ القيامةِ: «اليومَ أَمْنَعُك فَضْلِي كما مَنَعْتَ فضلَ ما لم تَعْمَلْ يَداك»؛ وذلك لأنَّه لم يَكُنْ له حِيلَةٌ في هذا الماءِ الَّذِي منَع النَّاسَ الزَّائدَ منه على حاجتِه، بَلِ اللهُ تعالَى هو الَّذِي أنْزَلَه مِن السَّماءِ بغَيرِ حَولٍ ولا قُوَّةٍ لأحدٍ مِن البَشَرِ، فكما مَنَع هذا الرَّجُلُ فضْلَ اللهِ يَمْنَعُه اللهُ فضْلَه يومَ القيامةِ.
وذِكرُ هؤلاء الأصنافِ الثَّلاثةِ في هذا الحديثِ لا يَعْني الحصْرَ، ولا يَمنَعُ مِن وُجودِ أصنافٍ أُخرى استَحقَّت نفْسَ العَذابِ، كالمُسبِلِ، والمَنَّانِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي ذَرٍّ رَضيَ اللهُ عنه، والشَّيخِ الزَّاني، والمَلِكِ الكذَّابِ، والفقيرِ المُستكبِرِ، كما في صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ أبي هُريرةَ رَضيَ اللهُ عنه.
وفي الحديثِ: إثباتُ صِفةِ الكلامِ والنظر للهِ عزَّ وجلَّ على الوجْهِ اللَّائقِ به جلَّ جَلالُه، مِن غَيرِ تَشبيهٍ ولا تَمثيلٍ ولا تَكييفٍ؛ فإنْ لم يُكلِّمِ الأصنافَ الثَّلاثةَ ولم يَنظُرْ إليهم، فهو يُكلِّمُ غيرَهم ويَنظُرُ إليهم.