باب إذا اشترط شروطا في البيع لا تحل
بطاقات دعوية
عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءتني بريرة فقالت: [إني 3/ 127] كاتبت أهلي على تسع أواق، في كل عام وقية (344 - وفي رواية معلقة وعليها خمسة أواق نجمت عليها في خمس سنين 3/ 126)، فأعينيني، [ولم تكن قضت من كتابتها شيئا 3/ 127]، فقلت-[ونفست فيها]-: إن أحب أهلك أن أعدها لهم [عدة] (وفي طريق: أن أصب لهم ثمنك صبة واحدة)، [وأعتقك]، ويكون ولاؤك لي؛ فعلت، فذهبت بريرة إلى أهلها، فقالت لهم، فأبوا عليها، [وقالوا: إن شاءت أن تحتسب عليك؛ فلتفعل، ويكون ولاؤك لنا]، فجاءت من عندهم، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - جالس، فقالت: إني [قد 3/ 177] عرضت ذلك عليهم، فأبوا إلا أن يكون الولاء لهم، فسمع [بذلك] النبي - صلى الله عليه وسلم -، [فسألني؟]، فأخبرت عائشة رضي الله عنها النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال:
"خذيها، (وفي رواية: ابتاعي فأعتقي. وفي المعلقة: اشتريها فأعتقيها)، واشترطي لهم الولاء، (وفي طريق: لو شئت شرطتيه لهم 6/ 208)، فإنما الولاء لمن أعتق، (وفي طريق: لمن أعطى الورق، وولي النعمة 8/ 11) ".
[قالت عائشة]: ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الناس [من العشي 27/ 3] [على المنبر 1/ 117]، فحمد الله تعالى، وأثنى عليه [بما هو أهله]، ثم قال:
"أما بعد؛ ما بال رجال يشترطون شروطا ليست في كتاب الله؟ ما كان من شرط ليس في كتاب الله؛ فهو باطل، (وفي طريق: فليس له 3/ 184)، وإن كان مائة شرط، قضاء الله أحق، وشرط الله أوثق، [ما بال رجال منكم يقول أحدهم: أعتق يا فلان! ولي الولاء]، وإنما الولاء لمن أعتق".
[فدعاها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فخيرها من زوجها، فقالت: لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت (وفي رواية: ما بت) عنده، فاختارت نفسها 3/ 121]
حثَّ الشَّرعُ على عِتْقِ المماليكِ، وجعَلَ ثَوابَ مَن أعتَقَ رقَبةً خالصةً للهِ أنْ يُعتِقَه اللهُ مِن النَّارِ، وقد نظَّم الشَّرعُ أُمورَ العِتقِ وما يَتبَعُه مِن عَلاقاتِ وَلاءٍ ومِيراثٍ تَنشَأُ بيْن المُعتِقِ والمُعتَقِ الَّذي تمَّ تَحريرُه.
وفي هذا الحَديثِ تَحكي عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّ بَرِيرَةَ بنتَ صَفوانَ رَضيَ اللهُ عنها -وكانتْ مَوْلاةً لعائشةَ- أتتْ إليها تَستعينُ بها على أداءِ ما كاتَبَتْ عليه مالِكَها، والمُكاتَبةُ أنْ يَتعاقَدَ العبدُ مع سيِّدِه على قَدْرٍ مِن المالِ إذا أدَّاهُ أصبَحَ حرًّا، فأخْبَرَتْها عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها أنَّها تُعِينُها على المالِ، ولكنْ بشَرْطِ أنْ يكونَ وَلاءُ بَريرةَ بعْدَ عِتْقِها لعائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، والوَلاءُ عبارةٌ عن تَناصُرٍ يُوجِبُ الإرثَ، بمعنى أنَّ هذا العبدَ لو مات ولم يكُن له وارِثٌ فإنَّ مُعتِقَه يَرِثُه بالوَلاءِ؛ فالوَلاءُ كالنَّسَبِ، ولكنَّ مُلَّاكَ بَريرة قالوا لعائشةَ كَلامًا شكَّ فيه سُفيانُ بنُ عُيَيْنَةَ مِن رُواةِ الحديثِ، فذكَرَ مرَّةً أنَّهم قالوا لها: «إنْ شِئتِ أعْطَيْتِها ما بقِيَ»، فتَفضَّلْتِ على بَريرةَ بدَفْعِ الذي بقِيَ مِن مالِ الكتابةِ في ذِمَّتِها، ومرَّةً قال: إنْ شِئتِ أَعْتَقْتِها، ويكونُ الوَلاءُ لنا، فلمَّا جاء رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذكَّرتْ له عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بما حدَث مع بَريرةَ، فأمر النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عائشةَ أنْ تَشترِيَ بَريرةَ مِن مالِكِيها وتُعتِقَها، وأخْبَرَها أنَّ الولاءَ لِمَن أعتَقَ، وهذا حكْمُ الشَّرعِ، ثمَّ قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على المِنبرِ في مَسجدِه، فقال: «ما بالُ أقوامٍ»، أي: وما شَأنُهم؟ ولماذا يَفعلونَ ذلك؟ «يَشترِطونَ شُروطًا ليستْ في كتابِ اللهِ»، ولا تُوافِقُ شَرْعَ اللهِ تعالى وحُكمَه مِن كتابٍ أو سُنَّةٍ، وهذا تَعريضٌ مِنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ حتَّى لا يَتحرَّجَ فاعلُ ذلك، وإشعارٌ للناسِ بِتَعميمِ الأمرِ وأنَّ كثيرًا مِن الناسِ يَفعَلونه، فيَتوارَى الفاعلُ الأصليُّ فلا يُصيبُه الحرَجُ بيْن الناسِ، وإنَّما يَعلَمُ ويَتعلَّمُ.ثمَّ أخبَرَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن اشترَطَ شَرْطًا ليس في كِتابِ اللهِ، فليس له ذلك الشَّرْطُ ولا يَستحِقُّه، «وإنِ اشترَطَ مئةَ مرَّةٍ» فذكَرَ المئةَ؛ للمُبالغةِ في الكثرةِ، لا أنَّ هذا العددَ بعَينِه هو المرادُ.
وفي الحديثِ: حُسْنُ عِشرةِ الإمامِ مع رَعيَّتِه؛ فإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا خطَب لم يُواجِهْ صاحبَ الشَّرْطِ بعَينِه؛ لأنَّ المقصودَ يَحصُلُ له ولغيرِه بدونِ فَضيحةٍ وشَناعةٍ عليه.
وفيه: خُطبةُ الإمامِ عندَ وُقوعِ خَطأٍ، وتَبيينُه للنَّاسِ حُكْمَ ذلك وإنكارُه عليهم.
وفيه: المُبالغةُ في إزالةِ المنكَرِ، والتَّغليظُ في تَقبيحِه.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَعليمِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ المُتعلِّقةِ بأُمورِ الدُّنيا -مِثْل أُمورِ البيعِ والشِّراءِ في المسجدِ- وبَيانِ أحكامِها.