باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله، ولم يذكر أجلا معلوما؛ فهما على تراضيهما
بطاقات دعوية
عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما ظهر على خيبر؛ أراد إخراج اليهود منها، وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين، وأراد إخراج اليهود منها، فسألت اليهود رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليقرهم بها [على 4/ 61] أن يكفوا عملها، ولهم نصف الثمر، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"نقركم بها على ذلك ما شئنا"، فقروا (وفي رواية: فأقروا) بها حتى أجلاهم عمر إلى (تيماء) و (أريحاء).
(وفي رواية: عامل النبي - صلى الله عليه وسلم - خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع، فكان يعطي أزواجه مائة وسق، ثمانون وسق تمر، وعشرون وسق شعير، فقسم عمر خيبر، فخير أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقطع لهن من الماء والأرض، أو يمضي لهن، فمنهن من اختار الأرض، ومنهن من اختار الوسق، وكانت عائشة اختارت الأرض 3/ 68).
(وفي طريق: لما فدع (9) أهل خيبر عبد الله بن عمر قام عمر خطيبا، فقال:
إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان عامل يهود خيبر على أموالهم، وقال:
"نقركم ما أقركم الله"، وإن عبد الله بن عمر خرج إلى ماله هناك، فعدي عليه من الليل، ففدعت يداه ورجلاه، وليس لنا هناك عدو غيرهم، هم عدونا وتهمتنا (10)، وقد رأيت إجلاءهم.
فلما أجمع عمر على ذلك، أتاه أحد بني الحقيق، فقال: يا أمير المؤمنين!
أتخرجنا وقد أقرنا محمد، وعاملنا على الأموال، وشرط ذلك لنا؛! فقال عمر:
أظننت أني نسيت قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
"كيف بك إذا أخرجت من خيبر تعدو بك قلوصك (11) ليلة بعد ليلة؟ ".
فقال: كانت هذه هزيلة من أبي القاسم! قال: كذبت يا عدو الله!
فأجلاهم عمر، وأعطاهم قيمة ما كان لهم من الثمر مالا، وإبلا، وعروضا من أقتاب، وحبال، وغير ذلك 3/ 177 - 178)
ظلَّ اليَهودُ بالمدينةِ وخارجَها يَغدِرونَ بالمسلمينَ ويَنقُضونَ عُهودَهم مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حياتِه، ومع أصحابِه بعْدَ وَفاتِه، وقدْ أجْلَى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَهودَ بَني النَّضيرِ وبَني قَينُقاعَ، ثُمَّ في خِلافِةِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه -كما في هذا الحديثِ- أجْلَى يَهودَ خَيبَرَ، وهي بَلدةٌ تقَعُ شَمالَ المدينةِ على طَريقِ الشَّامِ، تَبعُدُ عن المدينةِ 95 مِيلًا (153 كم)، وكان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ عامَلَ يَهودَ خَيبرَ على أموالِهم، فأقَرَّهم على أموالِهم بأنْ أخَذَ الجِزيةَ منهم، واتَّفقَ معهم على العملِ في المَزارعِ مُقابِلَ نَصيبٍ مُعيَّنٍ، وحدَثَ في وقْتِ خِلافةِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما ذَهَبَ إلى هناك، فغَدَرَ يَهودُ خَيبَرَ به واعتَدَوْا عليه، ففُدِعَتْ يَداه ورِجْلاه، أي: اعوَجَّتْ يَداهُ ورِجلاه، وانقَلبَتْ كَفَّاه وقدَمَاه، فخَطَبَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه وأخبَرَ النَّاسَ بما وقَعَ لِولدِه مِن أشخاصٍ مَجهولِينَ في خَيبرَ، وأنَّه ليسَ له أعداءٌ سِوى اليهودِ؛ فإنَّ التُّهمةَ تَتوجَّهُ إليهم، وذكَرَ أنَّه رَأى أنَّ إجْلاءَهم وإخراجَهم مِن خَيبرَ هو الحلُّ الأمثَلُ، فلمَّا أجمَعَ عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه على ذلك، أَتاه أحدُ بَني أبِي الْحَقيقِ -وهو رئيسُهم وزَعيمُهم- وقال: تُخرِجُنَا وقدْ أقرَّنَا محمَّدٌ؟! -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أي: اتَّفَقَ معَنا على البقاءِ في خَيْبرَ، وعاهَدَنَا عليه، وعامَلَنا على الأموالِ، أي: وتَعاقَدَ معنا على العملِ في مَزارعِ خَيبرَ؟! فقال عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه: وهلْ تَظُنُّ أنِّي نَسيتُ إخبارَ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بإِخراجَك مِن خَيبرَ تَجْري على نَاقتِك؟ فقال هذا الرَّجلُ: كانتْ هذه هُزَيلَةٌ، أي: إنَّما قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك مازحًا لا جادًّا، فقال: كذَبْتَ يا عدُوَّ اللهِ، فَأجْلاهم عُمرُ رَضيَ اللهُ عنه، وأعْطاهمْ قِيمةَ الثِّمارِ الَّتي لهم دَراهِمَ وإبلًا وأمتعةً، مِن أقْتابٍ وحِبالٍ وغيرِ ذلك، والأقتابُ: جمْعُ قَتَبٍ، وهو ما يُوضَعُ فوقَ ظَهْرِ الجمَلِ؛ لِوقايتِه عندَ الحمْلِ عليه.
وإنَّما تَرَكَ عمَرُ مُطالَبةِ اليهودِ بالقِصاصِ فيما أصابَ ابْنَه؛ لأنَّه أُصِيبَ لَيلًا وهو نائمٌ، فلم يَعرِفِ ابنُ عمَرَ أشخاصَ مَن أصابُو
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ المُساقاةِ؛ وهي دَفْعُ شَجرٍ لمَن يَسْقِيه ويَعمَلُ عليه بجُزءٍ مَعلومٍ مِن ثَمَرِه.