باب إعطاء من يخاف على إيمانه
بطاقات دعوية
حديث أَنَسٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ، وأَعْطَى قُرَيْشًا: وَاللهِ إِنَّ هذَا لَهُوَ الْعَجَبُ، إِنَّ سُيُوفَنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَاءِ قُرَيْشٍ، وَغَنَائِمُنَا تَرَدُّ عَلَيْهِمْ فَبَلَغَ ذلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَدَعَا الأَنْصَارَ قَالَ، فَقَالَ: مَا الَّذِي بَلَغَنِي عَنْكُمْ وَكَانُوا لاَ يَكْذِبُونَ فَقَالُوا: هُوَ الَّذِي بَلَغَكَ قَالَ: أَوَ لاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَرْجِعَ النَّاسُ بِالْغَنَائِمِ إِلَى بيُوتِهِمْ، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى بُيُوتِكُمْ لَوْ سَلَكَتِ الأَنْصَارُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهمْ
كان الأنصار من أوائل المسلمين الذين نصروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونصروا الدين، وعرف لهم فضلهم في الإسلام
وفي هذا الحديث يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: "لما أصاب رسول الله الغنائم يوم حنين"، أي: أخذ مغانم الحرب من هوازن وثقيف، وحنين: واد كبير بين مكة والطائف، وكانت تلك الغزوة في السنة الثامنة من الهجرة عقب فتح مكة، "وقسم للمتألفين من قريش وسائر العرب ما قسم"، أي: أعطاهم جزءا من الغنائم، وهم المؤلفة قلوبهم ممن أسلموا بعد فتح مكة، وفي إسلامهم ضعف، فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا؛ ليرغبهم في الإسلام، "ولم يكن في الأنصار شيء منها، قليل ولا كثير"، فلم يعط النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار شيئا؛ "وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم"، فكأنهم حزنوا؛ إذ لم يصبهم ما أصاب الناس، حيث لم يقسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم، "حتى قال قائلهم: لقي -والله- رسول الله قومه"، بمعنى أنه الآن وجد أنصارا غيرنا من قومه وأهله، "فمشى سعد بن عبادة إلى رسول الله، فقال: يا رسول الله، إن هذا الحي من الأنصار وجدوا عليك في أنفسهم؟" أي: حزنوا في قلوبهم، ولم يظهروا حزنهم، "قال" النبي صلى الله عليه وسلم: "فيم؟" أي: ما سبب حزنهم مني؟ "قال" سعد رضي الله عنه: "فيما كان من قسمك هذه الغنائم في قومك وفي سائر العرب، ولم يكن فيهم من ذلك شيء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأين أنت من ذلك يا سعد؟" أي: وما رأيك فيما قاله الأنصار؟ "قال: ما أنا إلا امرؤ من قومي"، أي: حزنت مثل حزنهم، "فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اجمع لي قومك في هذه الحظيرة"، وهي المكان المتسع الذي يحاط عليه، "فإذا اجتمعوا فأعلمني، فخرج سعد فصرخ فيهم"، أي: ناداهم بصوت عال، "فجمعهم في تلك الحظيرة، حتى إذا لم يبق من الأنصار أحد إلا اجتمع له أتاه"، أي: ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليعلمه، "فقال: يا رسول الله، اجتمع لك هذا الحي من الأنصار حيث أمرتني أن أجمعهم. فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: يا معشر الأنصار، ألم آتكم ضلالا فهداكم الله؟" أي: كنتم في ضلالة الشرك، فهداكم الله بالإيمان، "وعالة" أي: فقراء، "فأغناكم الله؟" بما أعطاكم من فضله، "وأعداء فألف الله بين قلوبكم؟" حيث كانوا متناحرين متقاطعين، يحارب بعضهم بعضا، كما في حرب بعاث، فجمعهم النبي صلى الله عليه وسلم، وألف الله بين قلوبهم، "قالوا: بلى!" وهذا من أدب الأنصار؛ أنهم أقروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما قاله، "قال رسول الله: ألا تجيبون يا معشر الأنصار؟" أي: تردون وتذكرون ما صنعتم من مساندة النبي صلى الله عليه وسلم، "قالوا: وما نقول يا رسول الله؟ وبماذا نجيبك؟ المن لله ورسوله"، أي: لهما الفضل والمنة على الحقيقة، وهذا من عظيم الأدب الذي كان فيه الأنصار، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله لو شئتم لقلتم فصدقتم وصدقتم: جئتنا طريدا فآويناك، وعائلا فآسيناك، وخائفا فأمناك، ومخذولا فنصرناك"، أي: لو شئتم أن تقولوا: أتيتنا مكذبا فصدقناك، ومخذلا فنصرناك، وطريدا فآويناك، وعائلا فقيرا فواسيناك، وهذا من تواضعه صلى الله عليه وسلم وإنصافه؛ فلولا هجرته إليهم لكانوا كسائر الناس، "فقالوا: المن لله ورسوله"، وهذا من حسن أدب الأنصار أيضا، "فقال: أوجدتم في نفوسكم" أي: هل حزنتم في قلوبكم، "يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا"، أي: بسبب شيء حقير من أمور الدنيا، "تألفت بها قوما أسلموا، ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام؟! أفلا ترضون يا معشر الأنصار أن يذهب الناس إلى رحالهم بالشاء والبعير"، أي: فيأخذوا هذه الأموال وغيرها من متاع الدنيا، "وتذهبون برسول الله إلى رحالكم؟" والمعنى: وتفوزون أنتم بالنبي صلى الله عليه وسلم وإقامته في بيوتكم ومنازلكم، "فوالذي نفسي بيده"، أي: أقسم بالذي يملك أمر نفسي، وهو الله عز وجل، "لو أن الناس سلكوا شعبا وسلكت الأنصار شعبا"، أي: طريقا في الجبل، "لسلكت شعب الأنصار"، أي: سرت في طريقهم؛ وذلك لفضل الأنصار، "ولولا الهجرة لكنت امرأ من الأنصار"، أي: لولا أني هاجرت، وصرت منسوبا إلى الهجرة، ولا يسعني تركها؛ لانتسبت إلى الأنصار، وكنت واحدا منهم، "اللهم ارحم الأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار"، وهذا دعاء من النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار وذراريهم؛ وذلك لما لأصولهم من القيام في نصرة الدين وإيواء النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه حال شدة الخوف والضيق والعسرة، وحمايتهم له حتى بلغ أوامر ربه، وأظهر الدين وأسس قواعد الشريعة، فعادت مآثرهم الشريفة على أبنائهم وذرياتهم. "فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم"، أي: بللوها بدموعهم، "وقالوا: رضينا بالله ربا، ورسوله قسما"، وهذا إظهار لكمال الإيمان والإذعان لله ورسوله، والرضا بقسمة النبي صلى الله عليه وسلم، "ثم انصرف"، أي: ذهب من مكانه، "وتفرقوا"، أي: ورجع كل واحد منهم إلى مكانه
وفي الحديث: إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة، ومنزلة الأنصار
وفيه: أن من فاز بالنبي صلى الله عليه وسلم واتباعه فقد فاز بكل شيء