باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم

بطاقات دعوية

باب ابتناء مسجد النبي صلى الله عليه وسلم
 حديث أنس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، فنزل أعلى المدينة في حي يقال لهم بنو عمرو بن عوف، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم فيهم أربع عشرة ليلة، ثم أرسل [ص:105] إلى بني النجار فجاءوا متقلدي السيوف، فكأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم على راحلته، وأبو بكر ردفه، وملأ بني النجار حوله، حتى ألقى بفناء أبي أيوب، وكان يحب أن يصلي حيث أدركته الصلاة، ويصلي في مرابض الغنم، وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بني النجار، فقال: يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلا إلى الله

لقد جاهد الصحابة رضي الله عنهم في الله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الجهاد؛ لإعلاء كلمته، وتنفيذا لأمره، ومجاهدة لأعدائه، فأوذوا وصبروا لله ابتغاء ما عند الله سبحانه وتعالى، ففازوا بخيري الدنيا والآخرة
وفي هذا الحديث يخبر أنس بن مالك رضي الله عنه أن المهاجرين والأنصار كانوا يحفرون الخندق حول المدينة، والخندق هو الحفرة العميقة والطويلة حول شيء معين، أو في جهة معينة، وقد حفره النبي صلى الله عليه وسلم شمال المدينة بعد أن أشار عليه سلمان الفارسي؛ لحمايتها من الأحزاب التي جمعتها قريش لحرب النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان ذلك في سنة خمس من الهجرة. وفي أثناء الحفر كانوا ينقلون التراب على متونهم، أي: ظهورهم، وهم ينشدون:
«نحن الذين بايعوا محمدا *** على الإسلام ما بقينا أبدا»
والمبايعة هي المعاقدة والمعاهدة، وسميت بذلك تشبيها بالمعاوضة المالية؛ كأن كل واحد منهما يبيع ما عنده من صاحبه؛ فمن طرف رسول الله صلى الله عليه وسلم: وعد بالثواب، ومن طرفهم في هذا الحديث الجهاد في سبيل الله ما داموا أحياء قادرين عليه، وصدقوا في بيعتهم رضي الله عنهم أجمعين
فأجابهم صلى الله عليه وسلم: «اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره *** فبارك في الأنصار والمهاجره»، أي: لا خير مستمرا على وجه الحقيقة إلا الخير في الآخرة في رضوان الله ورحمته، ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم بالبركة للمهاجرين الذين تركوا ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا، والأنصار الذين آووا النبي صلى الله عليه وسلم والمهاجرين ونصروهم، وقاسموهم في أموالهم
واستشكل قوله عليه الصلاة والسلام الشعر مع قوله تعالى: {وما علمناه الشعر} [يس: 69]، وأجيب: بأن الممتنع عليه صلى الله عليه وسلم إنشاء الشعر لا إنشاده، ولم يثبت عنه الإنشاء
ويحكي أنس رضي الله عنه أنهم كانوا يؤتون بملء كفه -وضبطت أيضا بالمثنى كفي- من الشعير، فيطبخ لهم بإهالة سنخة، والإهالة: هي الدهن الذي يؤتدم به، سواء كان زيتا، أو سمنا، أو شحما، وسنخة، أي: متغيرة الريح فاسدة الطعم، فتوضع بين يدي القوم، والقوم جياع، والإهالة بشعة في الحلق، أي: كريهة الطعم تأخذ الحلق، ولها ريح منتن، ومع ذلك يأكلونه، وهو ما ترفضه النفس في وقت الرخاء واليسار، وهذا يدل على ما كانوا فيه من شدة الحال والضيق، ومع ذلك صبروا مع النبي صلى الله عليه وسلم على الأذى والشدة حتى نصرهم الله
وفي الحديث: إنشاد الشعر، والارتجاز في حال العمل والجهاد، والاستعانة بذلك لتنشيط النفوس، وتسهيل الأعمال

قال أنس: فكان فيه ما أقول لكم، قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقبور المشركين فنبشت، ثم بالخرب فسويت، وبالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم وهو يقول:
اللهم لا خير إلا خير الآخرهفاغفر للأنصار والمهاجره