باب الأمر بلزوم الجماعة عند ظهور الفتن وتحذير الدعاة إلى الكفر
بطاقات دعوية
حديث حذيفة بن اليمان عن أبي إدريس الخولاني، أنه سمع حذيفة بن اليمان يقول: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر قال: نعم قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير
قال: نعم وفيه دخن قلت: وما دخنه قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها قلت: يا رسول الله صفهم لنا فقال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا قلت: فما تأمرني، إن أدركني ذلك قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك
الواجب على المسلم أن يجتنب مواضع الفتن؛ لأنه لا أحد يأمن على نفسه منها، والمعصوم من عصمه الله تعالى، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى ما يجب فعله في وقت الفتن، وحذرها من سوء عاقبة الانخراط فيها
وفي هذا الحديث يخبر حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أنه كان يسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الشر، وكان الناس يسألونه عن الخير، وعلل ذلك بأنه كان يسأل عن الشر؛ مخافة أن يدركه ذلك الشر، واجتناب الشرور مقدم على فعل الخيرات، والشر: الفتنة ووهن عرى الإسلام، واستيلاء الضلال، وفشو البدعة، والخير عكسه، فقال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، أي: ببعثك، وتشييد مباني الإسلام، وهدم قواعد الكفر والضلال؛ فهل بعد هذا الخير من شر؟ فقال صلى الله عليه وسلم: نعم، فقال حذيفة: وهل بعد هذا الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، أي: كدر غير صاف ولا خالص، وقيل: الدخن الأمور المكروهة، فقال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول الله، وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، أي: لا يستنون بسنتي، وفيهم خلط بين الأمور، فترى منهم أشياء موافقة للشرع، وأشياء مخالفة له، وعليك أن تعرف منهم الخير فتشكره، والشر فتنكره، فقال حذيفة: فهل بعد ذلك الخير المشوب بالكدر من شر؟ قال صلى الله عليه وسلم: نعم؛ دعاة إلى أبواب جهنم؛ وذلك باعتبار ما ينتهي إليه شأنهم؛ فإنهم يدعون الناس إلى الضلالة، ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس؛ فلذا كانوا بمنزلة أبواب جهنم، من أجابهم إلى الخصال التي تؤول إلى النار، قذفوه فيها
قال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول الله، صف لنا هؤلاء الدعاة، فقال صلى الله عليه وسلم: هم من جلدتنا، أي: من أنفسنا وعشيرتنا من العرب، أو من أهل ملتنا، ويتكلمون بألسنتنا، وقيل: يتكلمون بما قال الله ورسوله من المواعظ، والحكم، وليس في قلوبهم شيء من الخير، يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، قال حذيفة رضي الله عنه: يا رسول الله، فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وعامتهم التي تلتزم بالكتاب والسنة، وإمامهم، وهو أميرهم العادل الذي اختاروه، ونصبوه عليهم، وقيل: تلزم الجماعة التي أمر الشارع بلزومها جماعة أئمة العلماء؛ لأن الله تعالى جعلهم حجة على خلقه، وإليهم تفزع العامة في أمر دينها، وقيل: هم جماعة الصحابة الذين قاموا بالدين، وفرقوا عماده، وثبتوا أوتاده، والجامع بين كل هذه المعاني هو التمسك بصحيح الدين في أوامره ونواهيه
فقال حذيفة رضي الله عنه: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام يجتمعون على طاعته؟ قال صلى الله عليه وسلم: إن لم يكن لهم إمام يجتمعون عليه، فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو كان الاعتزال بالعض على جذع شجرة، فلا تعدل عنه، والعض هو الأخذ بالأسنان والشد عليها، والمراد المبالغة في اعتزال المرء للفتن، حتى يدركه الموت وهو على تلك الحالة من الاعتزال. أعاذنا الله من الفتن ما ظهر منها وما بطن
وفي الحديث: علم من أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، حيث أخبر بأمور مختلفة من الغيب لا يعلمها إلا من أوحي إليه بذلك من الأنبياء والمرسلين
وفيه: الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم، والنهي عن فراقهم بتفريق كلمتهم، وشق عصاهم فيما هم عليه مجتمعون من تأميرهم إياه