باب الأمر والنهى
حدثنا القعنبى أن عبد العزيز بن أبى حازم حدثهم عن أبيه عن عمارة بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال « كيف بكم وبزمان ». أو « يوشك أن يأتى زمان يغربل الناس فيه غربلة تبقى حثالة من الناس قد مرجت عهودهم وأماناتهم واختلفوا فكانوا هكذا ». وشبك بين أصابعه فقالوا وكيف بنا يا رسول الله قال « تأخذون ما تعرفون وتذرون ما تنكرون وتقبلون على أمر خاصتكم وتذرون أمر عامتكم ». قال أبو داود هكذا روى عن عبد الله بن عمرو عن النبى -صلى الله عليه وسلم- من غير وجه.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه رضي الله عنهم كيف يعرفون الفتن، وكيف يكون حالهم فيها.وهذا المتن جزء مختصر من حديث يروي فيه عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم ناداه محذرا وناصحا، فقال له: «يا عبد الله بن عمرو، كيف بك إذا بقيت في حثالة من الناس»، وهم أردأ الناس وأسوؤهم، ومن صفاتهم أن يظهر فيهم فساد العهد ونقضه وعدم الوفاء به، وتقل بينهم الأمانة، فلا يعرف حقها في ذلك الزمن إلا قليل، «واختلفوا فصاروا هكذا. وشبك بين أصابعه»، أي: خلطوا ببعضهم، فلا يميز فيهم الطيب من الخبيث، والمؤمن من المنافق؛ فالمراد بقوله في المتن بقوله: (بهذا)، وهو أن تلك الرواية ذكر فيها تشبيك النبي صلى الله عليه وسلم أصابعه.وفي تمام الرواية أن عبد الله رضي الله عنه سأله: كيف يفعل في هذا الموقف مع هؤلاء الناس إذا أدركهم عند ظهور هذا الزمن؟ فأمره صلى الله عليه وسلم أن يأخذ ما يعرفه من الحق، وأن يترك ما ينكره من الباطل، وأن يلزم نفسه وأحوالها فيقومها، ولا ينشغل بما يحل بالناس ويحدث فيهم، وهذا تأكيد ومزيد خلاص من الفتنة.وهذا كله يحمل على أن من عجز عن الأمر بالمعروف، أو خاف الضرر عموما، سقط عنه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باليد واللسان، ويمكنه أن ينكره بقلبه.وفي هذا إنذار من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعبد الله بأنه سيدركهم، ونهيه عن مخالطة من هذه صفته، وحثه صلى الله عليه وسلم له إذا أدركهم على أن يصلح خاصة نفسه ويترك عامة هؤلاء