باب الإحرام1
سنن ابن ماجه
حدثنا محرز بن سلمة العدني، حدثنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي، حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع
عن ابن عمر: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أدخل رجله في الغرز، واستوت به راحلته، أهل من عند مسجد ذي الحليفة
فَصَّلَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأصحابِه مَناسِكَ الحَجِّ بفِعلِه وقَولِه، وأمَرَهم أنْ يَأْخُذوا عنه مَنَاسِكَهم؛ لتتعلَّمَ الأُمَّةُ كلُّها بعدَهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ نافعٌ مَولى ابنِ عُمَرَ أنَّ عبدَ اللهِ بنَ عُمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما كان إذا أرادَ السَّفرَ من المدينةِ النبويَّةِ إلى مكَّةَ المُكرَّمةِ لأداءِ مَناسكِ الحَجَّ، يَدَّهِنُ بدُهْنٍ لَيس له رائِحةٌ طيِّبةٌ، أي: ليس له رائِحةٌ ظاهِرةٌ، وذلك بعْدَ اغتِسالِه وقبْلَ لُبْسِه مَلابسَ الإحرامِ، وكان يَفعَلُ ذلك ظَنًّا منه أنَّ الذي له رائحةٌ ظاهرةٌ يَتنافَى مع الإحرامِ، والثابتُ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ -كما رَواهُ البخاريُّ ومُسلِمٌ-: أنَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها طَيَّبَت رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عندَ إحرامِه بأطيَبِ الطِّيبِ، وهو المِسكُ.
ثمَّ يُصلِّي في مَسجِدِ ذي الحُلَيْفةِ، وهي قَريةٌ بيْنها وبيْن المدينةِ سِتَّةُ أميالٍ أو سبعَةٌ (10 كم)، وهي مِيقاتُ أهلِ المدينةِ، ومَن مرَّ بها مِن غيرِ أهْلِها، ثمَّ يَركَبُ ناقتَه، فلمَّا تَستَوي به قائِمةً يُحْرِمُ، أي: يُهِلُّ ويَرفَعُ صَوتَه بالتَّلبيةِ، وصِيغتُها: «لَبَّيكَ اللَّهمَّ لَبَّيك، لَبَّيك لا شَريكَ لك لَبَّيك، إنَّ الحمْدَ والنِّعمةَ لك والمُلكَ، لا شَريكَ لك».
ثُمَّ يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عمَرَ رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه هَكَذَا رَأَى النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَفْعَلُ عندَ إحرامِه، وخُروجِه إلى مكَّةِ بقصْدِ الحجِّ أو العُمرةِ. وقد وَرَدَ في الصَّحيحَينِ عن عَبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: «فلمَّا استَوَتْ به على البَيداءِ أهَلَّ بالحَجِّ»، وهي مَكانٌ بالقُربِ مِن ذي الحُلَيفةِ مِن جِهةِ مكَّةَ، وسُمِّيتْ بَيداءَ؛ لعدَمِ وُجودِ مَعالِمَ فيها مِن أبْنيةٍ ونحوِها.
ولعلَّ سَببَ اختلافِ الصَّحابةِ رَضيَ اللهُ عنهم في المواضِعِ الَّتِي أهَلَّ منها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أنَّ كُلًّا منهم أخبَرَ بما رأَى؛ فالنبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خرَجَ مِن المدينَةِ حاجًّا، فلمَّا صلَّى في مَسجدِ ذِي الحُلَيْفةِ أهَلَّ بالحَجِّ، فسَمِع ذلك منه أقْوامٌ فحَفِظُوا عنه، ثُمَّ رَكِب، فلمَّا استَقلَّت به ناقتُه أهَلَّ، وأدرَكَ ذلك منه أقوامٌ؛ لأنَّهم كانوا يَأْتُون جَماعاتٍ، فسَمِعُوه فقالوا: إنَّما أَهَلَّ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حِين استَقلَّتْ به ناقتُه، ثُمَّ مضَى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فلمَّا عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ أهَلَّ، وأدْرَكَ ذلك منه أقوامٌ، فقالوا: إنَّما أهَلَّ حِين عَلا على شَرَفِ البَيْداءِ، فنَقَل كلٌّ مِنْهم ما سَمِع، وظَهَر بذلك أنَّ الخلافَ وقَعَ في ابتِداءِ الإهْلالِ والإحْرامِ مِن المِيقاتِ. والحاصلُ أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أهَلَّ ثلاثَ مَرَّاتٍ.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ الدُّهنِ قبْلَ الإحرامِ وورَدَ بالطِّيبِ وما له رائحةٌ في أحاديثَ أُخَرَ.