باب الإلحاف في المسألة
سنن النسائي
أخبرنا الحسين بن حريث، قال: أنبأنا سفيان، عن عمرو، عن وهب بن منبه، عن أخيه، عن معاوية، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تلحفوا في المسألة، ولا يسألني أحد منكم شيئا، وأنا له كاره، فيبارك له فيما أعطيته»
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حَريصًا على تَعليمِ المسلمين وتَربِيَتِهم على حُسنِ المُعامَلَةِ وحُسنِ الطَّلَبِ بعِزَّةِ نَفْسٍ في كلِّ الأُمورِ، وفي هذا حِرْصٌ على أنْ تَظَلَّ العَلاقةُ بيْن المسلمين عَلاقةً طيِّبةً ليْس فيها حَزازَاتُ النُّفوسِ مِنَ الكُرهِ والغَضَبِ وما يُشبِهُ ذلك، وهو الَّذي يُمكِنُ أنْ يَحدُثَ نَتيجةَ الإلحافِ والإلحاحِ في الطَّلَبِ
وفي هذا الحديثِ يُوجِّهُنا النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم إلى ألَّا نُبالِغَ ولا نُلِحَّ في الطَّلبِ دونَ حاجةٍ ودونَ وجْهِ حقٍّ، والإلحافُ مِنَ: أَلْحَفَ في المسألةِ؛ إذا أَلَحَّ فيها، كما قال تعالَى: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} [البقرة: 273]. ثُمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم سَبَبَ نَهْيِه عن الإِلْحَاحِ في الطَّلَبِ، فأقسَمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قسَمًا يُفِيدُ تَوكِيدَ المحلوفِ عليه، على أنَّه إذا طلَبَ أحدٌ منه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم شيئًا، مع الإلحافِ، فيُخرِجُ له طلَبُه وإلحاحُه مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ما أراد، والحالُ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم كارِهٌ لإعطائِه ذلك الشَّيءَ، ولكنْ أعطاهُ لنحْوِ اتِّقاءِ فُحشِه، فتكونُ نَتيجةُ ذلك أنَّ اللهَ سُبحانه لنْ يُبارِكَ له فيما أخَذَه بإلحافِه وإلحاحِه، مع كَراهةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم لهذا الإلحاحِ، وهذا تَوضيحٌ لسُوءِ نَتِيجَةِ هذا الإلحاحِ
وقدْ دلَّتِ الأحاديثُ الوارِدَةُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم على أنَّ البَرَكَةَ في المالِ المُعطَى تُوجَدُ إذا كان الإعطاءُ عن طِيبِ خاطِرٍ مِنَ المُعطِي، وسَخَاوَةِ نَفْسٍ مِنَ الآخِذِ
وفي الحَديثِ: الحثُّ على العفافِ وسَخاوةِ النَّفسِ، والنَّهيُ عن السُّؤالِ لغيرِ ضَرورةٍ