باب الاستعارة للعروس عند البناء

بطاقات دعوية

باب الاستعارة للعروس عند البناء

عن أيمن قال: دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها درع قطر (27)، ثمن خمسة دراهم، فقالت: ارفع بصرك إلى جاريتي، انظر إليها، فإنها تزهى (28) أن تلبسه في البيت، وقد كان لي منهن درع على عهد رسول الله ي - صلى الله عليه وسلم -، فما كانت امرأة تقين (29) بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيرة!ِ

أرادَ أصحابُ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم بِأعمالِهم رِضا اللهِ سُبحانه وتَعالى، ولم يَسعَوْا إلى شَيءٍ مِن مَتاعِ الدُّنيا، بلِ ابْتغَوُا الأجْرَ مِنَ اللهِ تَعالى، حتى تمَّ بهم نُورُ اللهِ في العالَمين، وفاضَ المالُ بعْدَها وكثُرَ، وأنْعَمَ اللهُ عليهم مِن فضْلِه.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ أيمنُ الحَبَشِيُّ المَخْزُوميُّ أنَّه دَخَل على أمِّ المؤمنينَ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها، فرَأى عليها دِرعَ -قَميصُ المرأةِ- قِطْرٍ، والقِطْرُ: ثِيابٌ مِن غَليظِ القُطنِ وغيرِه، وقيل: مِن القُطنِ خاصَّةً، وقيل: هي مِن ثِيابِ اليَمنِ تُعرَفُ بالقِطْرِيَّةِ فيها حُمْرةٌ، وقيل: الثِّيابُ القِطْرِيَّةُ مَنسوبةٌ إلى قَطَرَ، قَريةٌ في البحرينِ، والمرادُ أنَّه غَليظٌ خَشِنٌ، وكان يُقدَّرُ ثَمنُه بخَمْسةِ دراهمَ مِن الفضَّةِ، فقالتْ له عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها على سَبيلِ الاستنكارِ: ارفَعْ بَصَرَك إلى جاريتي انظُرْ إليها؛ فإنَّها تُزْهَى -أي: تَتكبَّرُ وتَأنَفُ- أنْ تَلبَسَ هذا الدِّرعَ في البيتِ، ثمَّ أخْبَرتْ رَضيَ اللهُ عنها عن تَغيُّرِ الأحوالِ، حيثُ كان لَدَيها في حَياةِ رَسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأيَّامِه مِن هذه الدُّروعِ القِطْرِيَّةِ دِرعٌ، وأنَّه قلَّما امرأةٌ في المدينة أرادتْ أن «تُقَيَّنَ» -أي: تُزَيَّنَ لعُرْسِها- إلَّا أرسَلتْ إليها لتَستعيرَه منها؛ لأنَّهم كانوا إذ ذاك في حالِ ضِيقٍ، فكان الشَّيءُ الخَسيسُ عِندهم نَفيسًا. وهذا يُبيِّنُ التَّغيُّرَ الكبيرَ الذي حدَث للمسلمينَ بعْدَ الفُتوحاتِ؛ فهذا الثَّوبُ الذي كانتِ العروسُ تَستعيرُه للتَّزيُّنِ به لعُرْسِها، أصبحَتِ الأَمَةُ تَأنَفُ مِن لُبسِه في البيت.
وفي الحديثِ: مَشروعيَّةُ إعارةِ الثِّيابِ، واستعارتِها، وكذلك غيرُها مِن الحُليِّ والجَواهرِ النَّفيسةِ للعَروسِ وغيرِها.
وفيه: أنَّ المرأةَ قدْ تَلبَسُ في بَيتِها ما حسُنَ مِن الثِّيابِ وما يَلبَسُه بعْضُ الخَدَمِ.
وفيه: تَواضُعُ عائشةَ رَضيَ اللهُ تعالى عنها، وأخْذُها بالقليلِ في حالِ الغِنى.