باب التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة
حدثنا مسدد، حدثنا يحيى، عن ابن عجلان، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع في المسجد، وأن تنشد فيه ضالة، وأن ينشد فيه شعر، ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة»
المساجد بيوت الله في الأرض، والهدف من بنائها عبادة الله تعالى فيها وإقام الصلاة وذكر الله فيها، ولم تجعل لأمور الدنيا كالبيع والشراء
وفي هذا الحديث يخبر عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الشراء والبيع"، أي: إقامته وعقده، ويلحق به ما في معناه من العقود، كالإجارة وغيرها، "في المسجد"؛ لأن المساجد بنيت لأداء الفرائض والأذكار، وفي سنن الترمذي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد، فقولوا: لا أربح الله تجارتك"
قال عبد الله رضي الله عنه: "وأن تنشد فيه ضالة "، والضالة: كل ما فقد أو ضاع من حيوان أو متاع أو مال، وغير ذلك، وإنشاد الضالة هو طلبها والاسترشاد عنها والإعلام عن ضياعها في المساجد، ومع هذا النهي أيضا ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم الدعاء على من فعل ذلك بعدم وجدان ضالته كما في صحيح مسلم، فقال صلى الله عليه وسلم: " من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل: لا ردها الله عليك؛ فإن المساجد لم تبن لهذا"
قال: "وأن ينشد فيه شعر"، أي: نهى صلى الله عليه وسلم أن يكون المسجد محلا لإلقاء الشعر؛ قيل: والمراد بالأشعار هي الأشعار المذمومة، فأما أشعار الإسلام والمحقين فغير محظور، وقيده هنا بالمسجد وإن كان مثل ذلك محظورا داخل المسجد وخارجه؛ مبالغة في تنزيه المسجد عن الفاحش من القول، ولقربهم بعهد الجاهلية، ووجود حالة التفاخر والهجاء ونحوه، والشعر: كلام موزون قصدا بوزن عربي، فهو غير الكلام المنثور، ولا يدخل في الشعر كذلك ما كان اتفاقيا، أي: لم يقصد وزنه؛ فلا يكون شعرا
قال: "ونهى عن التحلق قبل الصلاة يوم الجمعة"، أي: نهى صلى الله عليه وسلم عن القعود حلقا حلقا قبل صلاة الجمعة؛ لأنه يقطع الصفوف مع كونهم مأمورين يوم الجمعة بالتبكير والتراص في الصفوف، وأن يجلسوا متحلقين حلقة واحدة أو أكثر، وإن كان لمذاكرة علم، ولأن الاجتماع للجمعة خطب عظيم لا يسع من حضرها أن يهتم بما سواها حتى يفرغ منها، والتحلق قبل الصلاة يوهم غفلتهم عن الأمر الذي ندبوا إليه، ولأن الوقت وقت الاشتغال بالإنصات للخطبة، والتقييد بقبل الصلاة، أي: إذا فرغ منها كان الاجتماع والتحلق بعد ذلك للعلم والذكر
قيل: النهي عن جميع المذكورات
وفيه: الحث على عدم رفع الأصوات في المساجد، وعلى حفظها من كل ما يزيل روح الخشوع، أو يؤثر في المتعبدين