باب التغليظ في ترك الجهاد1
سنن ابن ماجه
حدثنا هشام بن عمار، حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا يحيى بن الحارث الذماري، عن القاسم
عن أبي أمامة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من لم يغز أو يجهز غازيا، أو يخلف غازيا في أهله بخير، أصابه الله سبحانه بقارعة قبل يوم القيامة"
حَثَّنا الشَّرعُ الحكيمُ على الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ، وحذَّرَنا مِن ترْكِه، وإذا ترَكَ المُسلمونَ الجِهادَ في سبيلِ اللهِ ورَكَنوا إلى الدُّنيا، أصابَهم الذُّلُّ والهَوانُ، وطغَى الكُفَّارُ عليهم، وقد بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فضْلَ المُجاهدينَ بأنفُسِهم أو أموالِهم وغيرِ ذلك.
وفي هذا الحديثِ يُخْبِرُ أبو أُمامةَ الباهِليُّ رضِيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: "مَن لم يَغْزُ"، أي: بنفْسِه، "أو يُجَهِّزْ غازِيًا"، أي: يُجَهِّزْ غيرَه بالعُدَّةِ والسِّلاحِ مِن مالِه الخاصِّ ويُخْرِجْه إلى الجِهادِ، "أو يَخْلُفْ غازِيًا في أهْلِه بخيرٍ"، أي: يَقُمْ مَقامَه بعدَه في خِدمةِ أهلِه؛ بأنْ يَصيرَ خليفةً له ونائبًا عنه في قضاءِ حوائجِهم، "بخيرٍ"؛ احترازًا عنِ الخِيانةِ، كانتْ نتيجةُ عدمِ القيامِ بهذه الأمورِ أنْ "أصابَه اللهُ بقارِعةٍ قبْلَ يومِ القِيامةِ"، أي: بداهِيَةٍ مُهْلِكةٍ، وهذا كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ * إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [التوبة: 38- 39]، وليس العَذابُ الَّذي يَتهدَّدُهم هو عَذابَ الآخرةِ فقطْ، بل عَذابَ الدُّنيا والآخرةِ؛ عذابَ الذُّلِّ الَّذي يُصيبُ القاعِدينَ عن الجِهادِ، عذابَ الحِرمانِ مِن الخَيراتِ الَّتي يستفيدُ منها العدُوُّ الكافِرُ ويَحْرِمُها أهْلَها، وهم مع ذلك كلِّه يَخسَرونَ مِن النُّفوسِ والأموالِ أضعافَ ما يَخسَرونَ في الجِهادِ، وإذا تَركَتِ الأُمَّةُ الجِهادَ ضرَبَ اللهُ عليها الذُّلَّ، فدفَعَتْ مُرْغَمةً صاغرةً أضعافَ ما كان يتطلَّبُه منها جِهادُ الأعداءِ!
وفي الحديثِ: بيانُ العاقبةِ الوخيمةِ والعذابِ الشديدِ لِمَن لم يَغْزُ في سَبيلِ اللهِ بنفْسِه أو مالِه، أو شارَكَ في تجهيزِ جُيوشِ المُسلمينَ، أو قام برِعايةِ أُسَرِ المُحاربينَ، وفي ذلك إشارةٌ إلى فَضْلِ الجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى والحثِّ عليه والترغيبِ فيه؛ لأنَّه سببٌ للنجاةِ مِن هذا العذابِ.