باب: التغليظ في حبس الزكاة 2
سنن النسائي
أخبرنا مجاهد بن موسى، قال: حدثنا ابن عيينة، عن جامع بن أبي راشد، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل له مال لا يؤدي حق ماله إلا جعل له طوقا في عنقه، شجاع أقرع وهو يفر منه وهو يتبعه»، ثم قرأ مصداقه من كتاب الله عز وجل: (ولا تحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة) الآية
المالُ زِينةُ الحَياةِ الدُّنيا، وقد بيَّنَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الحُقوقَ الواجبةَ على مَن ملَكَ مالًا وافرًا؛ مِن الزَّكاةِ والصَّدقةِ، وبيَّن ما لَه مِن الفَضْلِ والأجْرِ على ذلك، كما بيَّنَ عُقوبةَ مانعِ هذه الحُقوقِ
وفي هذا الحديثِ يُبَيِّن النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ مَن أعطاهُ اللهُ مالًا بَلَغَ النِّصابَ الشَّرعيَّ الَّذي تجِبُ فيه الزَّكاةُ فلَم يُخرِجْ زَكاتَه، مُثِّلَ له ذلك المالُ يَومَ القيامةِ في صورةِ شُجاعٍ أَقْرَعَ، وهو ثُعْبانٌ سامٌّ، أبيضُ الرَّأسِ، وهو مِن أخطَرِ الثَّعابينِ؛ لأنَّه كُلَّما كَثُرَ سُمُّ الثُّعبانِ ابْيَضَّ رأسُه، ولهذا الثُّعبانِ فَوقَ عَيْنَيه نُقطتانِ سَوْداوانِ، وهو مِن أخْبَثِ الحيَّاتِ، فيَصيرُ الثَّعبانُ طَوقًا حَوْلَ عُنُقِه، ثُمَّ يمسِكُ هذا الثُّعبانُ بجانِبَيْ فَمِ مانعِ الزَّكاةِ والصَّدقاتِ ويَعَضُّهما، ويُفرِغُ سُمَّه فيهما، ثُمَّ يقولُ له: أنا مالُكَ، أنا كَنْزُك الَّذي كَنَزْتَ، وهذا مِن التَّبكيتِ والتَّعذيبِ المعْنويِّ، إضافةً إلى التَّعذيبِ الجسَديِّ
ثمَّ استدَلَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقولِ اللهِ تعالَى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران: 180] أي: لا يظُنَّ الَّذين يَبخَلون بما آتاهم اللهُ مِن النِّعَمِ تفضُّلًا منه، فيَمْنَعون حقَّ الله فيها، لا يَظنُّوا أنَّ ذلك خيرٌ لهم، بل هو شرٌّ لهم؛ لأنَّ ما بَخِلوا به سيَكونُ طَوْقًا يُطَوَّقون به يومَ القِيامةِ في أعناقِهم، يُعَذَّبون به
وفي الحديثِ: بيانُ إِثمِ مانِعِ الزَّكاةِ، والوَعيدِ الشَّديدِ المُتَرتِّبِ على ذلِك
وفيه: ما يدُلُّ على قَلْبِ الأعيانِ، وذلك في قُدرةِ اللهِ تعالَى هيِّنٌ لا يُنكَرُ
وفيه: أنَّ العبدَ إذا لم يشكُرِ النِّعمةَ ويؤَدِّ حَقَّ اللهِ فيها، تكونُ نِقمةً ووبالًا عليه يومَ القِيامةِ، وتتمثَّلُ له في أبشَعِ الصُّوَر الَّتي تُؤلِمُه وتُؤذيه
وفيه: أنَّ لفظَ "مالًا" بعُمومِه يتناوَلُ الذَّهبَ والفِضَّةَ وغيرَهما مِن الأموالِ الزَّكويَّةِ