باب التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة
بطاقات دعوية
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال اعتكف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر قبل أن تبان له فلما انقضين أمر بالبناء فقوض ثم أبينت له أنها في العشر الأواخر فأمر بالبناء فأعيد ثم خرج على الناس فقال يا أيها الناس إنها كانت أبينت لي ليلة القدر وإني خرجت لأخبركم بها فجاء رجلان يحتقان (1) معهما الشيطان فنسيتها فالتمسوها في العشر الأواخر من رمضان التمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة قال قلت يا أبا سعيد إنكم أعلم بالعدد منا قال أجل نحن أحق بذلك منكم قال قلت ما التاسعة والسابعة والخامسة قال إذا مضت واحدة وعشرون فالتي تليها ثنتين وعشرين (2) فهي التاسعة فإذا مضت ثلاث وعشرون فالتي تليها السابعة فإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة. (م 3/ 173)
شَهرُ رمَضانَ هو أعظَمُ الشُّهورِ عندَ اللهِ تعالَى، وأعظمُ اللَّيالي فيه لَيلةُ القَدْرِ؛ لذا اجتَهَدَ الصَّحابةُ رِضوانُ اللهِ عليهم في تَحرِّيها ومُحاوَلةِ تَحديدِها؛ فكثُرَتِ الرِّواياتُ في تَحديدِ تِلك اللَّيلةِ، ومِن هذِه الرِّواياتِ هذا الحَديثُ، وفيه يَحكي التابعيُّ أبو سَلَمةَ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عَوفٍ أنَّه ذهَبَ إلى أبي سَعيدٍ الخُدريِّ رَضيَ اللهُ عنه، فطلَبَ منه أنْ يَذهَبَ معه إلى أرضٍ بها نَخلٌ، وسَأَلَه أنْ يَذكُرَ له ما سَمِعَ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في تَحديدِ مَوعدِ لَيلةِ القدْرِ، فذَكَر له أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَنةٍ مِن السِّنينَ اعتكَفَ العَشْرَ الأُوَلَ مِن رمَضانَ، فجاءَه جِبريلُ بعدَ ذلك قائلًا: إنَّ لَيلةَ القدرِ التي تَسْعى إليها فيما سيَأتي مِن اللَّيالي، فاعتكَفَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ العَشْرَ الأوْسَطَ واعتكَفَ معه الصَّحابةُ، وفي صَبيحةِ عِشرينَ مِن رَمضانَ جاءه جِبريلُ ثانيةً وقال له مِثلَ ما قال أوَّلًا، يَقصِدُ العشْرَ الأواخِرَ مِن الشَّهرِ، فخَطَبَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في أصحابِه: أنَّ مَن اعتكَفَ العَشْرَ الأُوَلَ أو الأوسطَ وترَكَ المسجدَ، فلْيَرجِعْ؛ فإنِّي أُعلِمْتُ لَيلةَ القدرِ، أو أُعْلِمْتُ وَقتَه، وكان جِبريلُ عليه السَّلامُ قد أعْلَمه بتَعيينِها في تلك السَّنَةِ، ولكنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أعلَمَ أصحابَه بنِسيانِها، إلَّا أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ جزَمَ بأنَّها في العَشرِ الأواخرِ، في لَيلةٍ وِتْرٍ، وهيَ: الحادِيةُ والعِشرونَ، والثالثةُ والعِشرونَ، والخامِسةُ والعِشرونَ، والسَّابعةُ والعِشرونَ، والتاسعة والعِشرونَ مِنَ العَشرِ الأَواخِرِ مِن رَمضانَ.وقد أخبَرَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعَلامةِ تلك اللَّيلةِ في هذه السَّنةِ مِن رُؤيةٍ رَآها صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ورُؤيا الأنبياءِ حَقٌّ، وهي أنَّه يَسجُدُ في ماءٍ وطِينٍ. وقال أبو سعيدٍ: وكان سَقفُ مَسجدِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن جَريدِ النَّخلِ، ولا يَظهَرُ في السَّماءِ شَيءٌ يُنبِئُ بأنَّ السَّماءَ ستُمطِرُ، وظَهَرَتْ قَزَعَةٌ، وهي قِطَعٌ مِن السَّحابِ رَقيقةٌ، فنزَلَ المطَرُ، وصلَّى المُسلِمون، وتَحقَّقَتْ رُؤيا النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنْ سجَدَ في ماءٍ وطِينٍ، وظَهَر أثَرُ الطِّينِ على جَبهةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأَرْنَبَتِه، وهي طَرَفُ أنْفِه، وكان ذلك صَبيحةَ عِشرينَ، وهي لَيلةُ الحادي والعشرين، كما في رِوايةِ الصَّحيحَينِ، فصَدَقَت رُؤيا النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.وفي الحديثِ: الحثُّ على تَحرِّي لَيلةِ القَدْرِ واغتنامِها بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ لِمَا فيها مِن زِيادةِ الفَضلِ والأَجرِ.وفيه: الحثُّ على الاعتِكافِ في رَمضانَ.وفيه: ثُبوتُ السُّجودِ على الجَبْهةِ والأنْفِ.