باب التي وهبت نفسها للنبي ﷺ 1
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبدة بن سليمان، عن هشام بن عروة، عن أبيه
عن عائشة أنها كانت تقول: أما تستحي المرأة أن تهب نفسها للنبي - صلى الله عليه وسلم -؟ حتى أنزل الله: {ترجي من تشاء منهن وتؤوي إليك من تشاء} [الأحزاب: 51] قالت: فقلت: إن ربك ليسارع في هواك (2).
شرَعَ اللهُ سُبحانَه لنَبيِّه مُحمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعضَ الأحكامِ الخاصَّةِ به، ومن ذلك أنَّه أباحَ له الزَّواجَ بأكثَرَ من أربعِ نِسوةٍ، وأنْ تهَبَ المرأةُ نفْسَها له، كما أعطاه خُمُسَ غنائمِ الحربِ، وغير ذلك.
وفي هذا الحديثِ تُخْبِرُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها "أنَّها كانت تقولُ: أَمَا تَسْتَحي المرأةُ أنْ تهَبَ نفسَها للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟"، أي: ألَا تخجَلُ أيُّ امرأةٍ من نفْسِها أنْ تعرِضَ نفْسَها على النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليتزوَّجَها بلا مُقابلٍ؛ مِن مهرٍ أو غيرِه؟ ولعلَّها كانتْ تقولُ ذلك غَيرةً منها، وقالتْه تَقبيحًا لهذا الفعلِ وتنفيرًا للنِّساءِ عنه؛ لئلَّا تهَبَ النِّساءُ أنفُسَهن له صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، كما في روايةِ الصَّحيحينِ: "كنْتُ أغارُ على اللَّاتي وهبْنَ أنفُسَهنَّ لرسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وأقولُ: أتهَبُ المرأةُ نفْسَها؟!" قالت عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها: "حتَّى أنزَلَ اللهُ: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ وَتُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشَاءُ} [الأحزاب: 51]"؛ فخيَّرَه اللهُ سُبحانَه في هذه الآيةِ بين أنْ يقبَلَ مَن شاء ممَّن يهَبْنَ أنفُسَهنَّ له، وبين أنْ يرُدَّ مَن لم يشَأْ مِنهُنَّ، فقالت عائشةُ للنَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "إنَّ ربَّك لَيُسارِعُ في هواكَ"! أي: يُسارِعُ في مُوافقتِك على ما تُحِبُّ ممَّا أحلَّه لك، ويُخفِّفُ عنك ويُوسِّعُ عليك في الأُمورِ، وأنزَلَ فيها قُرآنًا يُتْلى، وقولُها هذا كِنايةٌ عن تَرْكِها ذلك التَّنفيرَ والتَّقبيحَ؛ لَمَّا رأَتْ من مُسارعةِ اللهِ تعالى في مَرضاةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: إظهارُ مَكانةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عند رَبِّه عزَّ وجلَّ.