باب الحج عن العاجز لزمانة وهرم ونحوهما أو للموت
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عباس، قال: كان الفضل رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءت امرأة من خثعم، فجعل الفضل ينظر إليها وتنظر إليه، وجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصرف وجه الفضل إلى الشق الآخر؛ فقالت: يا رسول الله إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخا كبيرا، لا يثبت على الراحلة، أفأحج عنه قال: نعم وذلك في حجة الوداع
الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو الفريضة التي تستوجب مفارقة المألوفات والعادات؛ استجابة لرب العالمين، وليس لمن أداه على وجهه وبحقه من ثواب إلا الجنة
وفي هذا الحديث يحكي عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن الفضل بن العباس رضي الله عنهما كان راكبا خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على الدابة؛ فجاءت امرأة من خثعم -وهي قبيلة يمنية- تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحج، فكان الفضل رضي الله عنه ينظر إليها، وكانت هي أيضا تنظر إليه، فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم ينظر إليها صرف وجه الفضل رضي الله عنه إلى الشق الآخر؛ ليكف بصره عن النظر إليها، ولتقلع هي أيضا عن النظر إليه، ولم يأمرها النبي صلى الله عليه وسلم بصرف وجهها إلى الشق الآخر، وإن كانت المرأة ممنوعة من النظر إلى الرجل أيضا مثلما يمنع الرجل -لقوله تعالى: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم} [النور: 30]، وقوله: {وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن} [النور: 31]- قيل: لاحتمال أن يكون نظرها للفضل كان عن غير قصد؛ لأنها إنما كانت تنظر جهة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسألتها. ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اكتفى بصرف وجه الفضل؛ لأن ذلك يمنع نظر المرأة إلى شيء من وجه الفضل، فكان في ذلك منع للفضل من النظر إليها ومنع لها من النظر إليه. ولعلها لما صرف وجه الفضل فهمت ذلك، فصرفت وجهها أو بصرها عن النظر إليه
فسألت المرأة النبي صلى الله عليه وسلم عن مشروعية الحج نيابة عن أبيها -وأبوها قيل: هو حصين بن عوف الخثعمي- الذي فرضت عليه الفريضة وهو شيخ كبير لا يستقر جسمه على الراحلة، أو لم تتوافر فيه شروط الحج إلا في هذه السن المتأخرة حتى أصبح عاجزا، ضعيف الجسم، منهك القوى، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأن تحج عنه
ويشترط في النائب أن يكون قد حج حجة الإسلام عن نفسه أولا، وإلا كانت الحجة عن نفسه ولم تجزئ عن المنوب عنه؛ لحديث أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما: «أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقول: لبيك عن شبرمة، قال: من شبرمة؟ قال: أخ لي -أو قريب لي- قال: حججت عن نفسك؟ قال: لا، قال: حج عن نفسك، ثم حج عن شبرمة»
وفي الحديث: الاستنابة في حج الفريضة لعجز ميؤوس من زواله
وفيه: بر الوالدين، والاعتناء بأمرهما، والقيام بمصالحهما؛ من قضاء دين، وخدمة، ونفقة، وغير ذلك من أمور الدين والدنيا
وفيه: أن الاستطاعة تكون بالغير كما تكون بالنفس
وفيه: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: منزلة الفضل بن العباس رضي الله عنهما من النبي صلى الله عليه وسلم
وفيه: منع النظر إلى الأجنبيات، وغض البصر
وفيه: أن العالم يغير من المنكر ما يمكنه إذا رآه، وإزالة المنكر باليد لمن أمكنه من غير مفسدة زائدة عن المنكر الحاصل