باب الحزن والبكاء5
سنن ابن ماجه
حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، حدثنا محمد بن أبي فديك، عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن أبي حازم أن عامر بن عبد الله بن الزبير أخبره
أن أباه أخبره: أنه لم يكن بين إسلامهم وبين أن نزلت هذه الآية يعاتبهم الله بها إلا أربع سنين: {ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون} [الحديد: 16] (2)
أمَرَنا الشَّرعُ الحَكيمُ بالتَّدبُّرِ والخُشوعِ في آياتِ الحقِّ وما نزَلَ مِن القُرآنِ؛ حتَّى يَظهَرَ للعُقولِ الصَّحيحةِ دَلائلُ الهِدايةِ؛ فتَلِينَ القُلوبُ لذِكْرِ اللهِ ومَواعِظِه، وفي هذا الخبرِ يروي عامِرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبيرِ: "أنَّ أباه عبدَ اللهِ بنَ الزُّبيرِ أخبَرَه أنَّه لم يكُنْ بين إسلامِهم، وبينَ أنْ نزَلَت هذه الآيةُ- يُعاتِبُهم اللهُ بها- إلَّا أربعُ سِنينَ: {وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد: 16]"، وقد نَهَى اللهُ المُؤمنينَ أنْ يتَشبَّهوا بالَّذين أُتوا الكِتابَ المُوجِبَ لخُشوعِ القَلْبِ والانقيادِ التَّامِّ، ثمَّ لم يُداوِموا عليه، ولا ثَبَتوا، بل طال عليهم الزَّمانُ واستمَرَّتٌ بهم الغفلةُ، فاضْمَحلَّ إيمانُهم وزال يقينُهم، والمَقصودُ بالَّذين مِن قبْلِهم اليهودُ والنَّصارى؛ لَمَّا تطاوَلَ عليهم الأمَدُ بدَّلوا كِتابَ اللهِ الَّذي بأيديهم واشْتَرَوا به ثَمنًا قليلًا، ونَبَذوه وراءَ ظُهورِهم، وأقْبَلوا على الآراءِ المُختلِفةِ والأقوالِ المُؤتفِكةِ، وقَلَّدوا الرِّجالَ في دِينِ اللهِ، واتَّخذوا أحبارَهم ورُهبانَهم أربابًا مِن دونِ اللهِ؛ فعند ذلك قَسَت قُلوبُهم، فلا يقبَلونَ مَوعِظةً، ولا تَلِينُ قُلوبُهم بوَعدٍ ولا وَعيدٍ؛ لأنَّ القُلوبَ تحتاجُ في كلِّ وقْتٍ إلى أنْ تُذَكَّرَ بما أنزَلَ اللهُ، وتنطِقَ بالحِكمةِ، ولا يَنْبغي الغَفلةُ عن ذلك؛ فإنَّ ذلك سبَبٌ لقَسوةِ القلْبِ وجُمودِ العَينِ.
وفي هذا الحديثِ: أنَّ هذه الآيةَ نزَلَت بعدَ أربَعِ سنواتٍ مِن إيمانِ المُسلمينَ، وكأنَّهم قد أَبْطَؤوا في الاستِسلامِ الكامِلِ للهِ، أو أنَّهم انْشَغلوا ببعضِ ملاهي الدُّنيا، فعاتَبَهم اللهُ؛ فعلى المُسلِمِ إذا وَسْوَسَ له الشَّيطانُ بخَطيئةٍ أو حدَّثَتْه بها نفْسُه أنْ يذكُرَ عندَ ذلك ما حمَّلَه اللهُ مِن كِتابِه، ممَّا لو حمَلَتْه الجِبالُ الرَّواسي لخَشَعَت وتصدَّعَت؛ فإنَّما ضرَبَ اللهُ الأمثالَ لنتفكَّرَ فيها، ونعتبِرَ بها، ونبتعِدَ عن الذُّنوبِ والمعاصي.
وفي الحديثِ: التَّنديدُ والتَّوبيخُ للمُسلمينَ أنْ يَسْلُكوا في دِينِهم مَسلكَ اليهودِ والنَّصارى.
وفيه: الحَثُّ على المُداومةِ على ذِكْرِ اللهِ والطَّاعاتِ وترقيقِ القُلوبِ؛ حتَّى لا تقسُوَ.