باب الحمى تذهب الخطايا
بطاقات دعوية
جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم السائب أو أم المسيب فقال ما لك يا أم السائب أو يا أم المسيب تزفزفين (2) قالت الحمى لا بارك الله فيها فقال لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم كما يذهب الكير خبث الحديد. (م 8/ 16
اللهُ عزَّ وجلَّ رَحيمٌ بعِبادِه المؤمِنينَ لَطيفٌ بهم، يَرحَمُهم في الدُّنيا والآخرَةِ، ومِن رَحمتِه ولُطفِه بالمؤمِنينَ المذْنِبين أنَّه سُبحانه يُخفِّفُ عنهم عذابَ الآخرَةِ ببَعضِ ما يُصيبُهم مِن البلاءِ في الدُّنيا.
وفي هذا الحديثِ يَروي جابرُ بنُ عبدِ الله رَضيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخلَ على أُمِّ السَّائِبِ -أو أُمِّ الْمُسِّيبِ- فَسَألَها: ما لكِ تُزَفْزِفِينَ؟ أي: تَرتَعدِينَ مِنَ البَرْدِ وتَتحرَّكينَ حَركةً شَديدةً؟ فَأجابَتْه: الحُمَّى، وهي الحرارةُ والسُّخونةُ، وهي نوعٌ مِنَ الأمراضِ، وهي أنواعٌ مُتعدِّدةٌ، وتكونُ بِقدَرِ اللهِ عزَّ وجلَّ؛ فهو الَّذي يُقدِّرُها وقوعًا ويَرفعُها سُبحانه وتَعالَى، ثمَّ دَعَت على الحُمَّى، فقالت: «لا بارَكَ اللهُ فيها» فنَهاها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن قَولِها ذلك؛ فهو نوعٌ مِن أنواعِ السُّبابِ الَّذي يُعبِّرُ به صاحبُه عن عدَمِ الرِّضا، ويَدخُلُ في هذا النَّهيِ: كلُّ أنواعِ الأمراضِ الَّتي تُصيبُ الإنسانَ، وعلَّلَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ذلك بأنها تَمحو وتُكفِّرُ وتُزيلُ ذُنوبَ بني آدمَ؛ وذلك إذا صَبَر على وَجعِها وألَمِها واحتَسَبَ الأجرَ عندَ اللهِ، كما يُذهِبُ الكِيرُ خَبثَ الحديدِ، أي: وَسخَهُ. وكِيرُ الحدَّادِ: جِهازٌ يَستخدمُه الحدَّادُ لِلنفخِ في النَّارِ لِإذكائِها؛ فإنَّ الحديدَ إذا صُهِرَ على النَّارِ ذَهبَ خبَثُه وبَقِي صافيًا، فكذلك تَفعَلُ الحُمَّى في الإنسانِ تُذهِبُ خَطاياهُ وتُكفِّرُ عنه ذُنوبَه إذا صَبَر عليها ابتغاءَ الأجرِ عندَ اللهِ سُبحانه، ويَشمَلُ ذلك كلَّ مَشقَّةٍ أو شِدَّةٍ يُرْتجى عليها ثَوابٌ؛ فلا يَنْبغي أنْ يُذَمَّ شَيءٌ مِن ذلك ولا يُسَبُّ، وحِكمةُ ذلك أنَّ السَّبَّ إنَّما يَصدُرُ في الغالبِ عن الضَّجرِ، وضَعفِ الصَّبرِ أو عَدمِه، وربَّما يُفْضي بصاحبِه إلى السَّخطِ المحرَّمِ، مع أنَّه لا يُفيدُ ذلك فائدةً ولا يُخفِّفً ألَمًا.
وفي الحديثِ: الرِّضا بِقضاءِ اللهِ وقدَرِه.