باب الخضاب بالصفرة
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا أبو أسامة، عن عبيد الله بن عمر، عن سعيد بن أبي سعيد
أن عبيد بن جريج سأل ابن عمر قال: رأيتك تصفر لحيتك بالورس! فقال ابن عمر: أما تصفيري لحيتي، فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفر لحيته (2)
كانَ عبدُ اللهِ بنُ عمرَ رضيَ الله عَنهما شديدَ الاقتِداءِ بِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم، وفي هذا الحديثِ يُخبِر عبدُ اللهِ رَضيَ الله عنه: "أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم كانَ يلبَسُ النِّعالَ السِّبْتيَّةِ"، أي: المصنوعةَ من الجِلدِ الذي ليسَ بهِ شَعَرٌ، وكانتْ عادةُ العَربِ لِباسَ النِّعالِ، أو النِّعالَ المصنوعةَ مِن الجِلدِ المدْبوغِ، والنَّعلُ: ما يُلبَسُ في القَدمِ لِيَقِيَها من الأرضِ "ويُصَفِّرُ لِحيتَه"، أي: يُصبغُها، "بالوَرْسِ والزَّعفرانِ"، والوَرسُ: نباتٌ كالسِّمْسمِ أصفرُ، والزَّعْفرانُ: نباتٌ ذو لَونٍ ورائِحةٍ طيِّبةٍ، قالَ نافعٌ مَولى ابنِ عمرَ: وكانَ ابنُ عمرَ يَفعلُ ذلكَ، أي: كانَ يفعلُ مِثلَ فِعلِ النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم مِن لُبسِ النِّعالِ وصَبغِ لِحيتِه.
قيل: قدْ ثبتَ عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّم أنَّه لم يَختضِبْ؛ فعن حميد قال: سُئلَ أنسُ بنُ مالكٍ: أخضَبَ رسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم؟ قال: «إنَّه لم يَرَ مِن الشَّيبِ إلَّا نحوَ سَبعةَ عَشرَ، أو عِشرين شَعرةً في مُقدَّمِ لِحيتِه»؛ فرُبَّما كان يَستعمِلُ الوَرْسَ والزَّعفرانَ للتَّنظيفِ والتَّطيُّبِ فيَبقى أثرُه عليهِ. وقيل: بل يُجمعَ بين الحديثين: أنْ يُحمَلَ نفيُ أنسٍ للاختضابِ على غَلبةِ الشَّيبِ حتى يحتاج إلى خِضابِه، ولم يتَّفقْ أنه رآه وهو مخضبٌ، ويُحمل حديثُ مَن أَثبَتَ الخضابَ على أنَّه فَعلَه لبيانِ الجوازِ ولم يُواظِبْ عليه .