باب: الدين النصيحة 1
بطاقات دعوية
عن تميم الداري - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال الدين النصيحة قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. (م 1/ 53
التَّناصُحُ بين المسلمين من مَعالِم الدِّينِ الحَنيفِ، ومِن حُسنِ التَّعامُلِ بين النَّاسِ أن يَتناصَحوا فيما بينهم بالمعروفِ، وبغيرِ أن يُحدِثوا مُنكَرًا أكبَرَ ممَّا يَنصَحون به، مع إخلاصِ المحبَّةِ للمَنصوحِ، ومَعرفةِ حَقِّه لإسلامِه، ومَعرفةِ حقِّه لِمَوقعِه في المُجتمعِ.
وهذا الحديثُ يُوضِّحُ مَعالِمَ النُّصحِ، ولِمَن يكونُ وكيف يكونُ؛ فيُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النَّصيحةَ هي عِمادُ الدِّينِ وجَوهرُه، ووَسيلةُ ظُهورِه وانتشارِه، والنَّصيحةُ: هي تَحرِّي قولٍ أو فِعلٍ فيه صَلاحٌ لصاحبِه، أو تَحرِّي إخلاصِ الوُدِّ له، والحاصلُ: أنَّ النَّصيحةَ هي إرادةُ الخيرِ للمنصوحِ له، وهي لفظٌ جامعٌ لمَعانٍ شَتَّى، ويَظهَرُ ذلك في النُّصحِ والتَّناصُحِ بين المسلمين، فسألَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عَنهُم رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: لِمَن تكونُ النَّصيحةُ ولِمَن تُوجَّه؟ فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «للهِ، ولكِتابِه، ولرَسولِه، ولِأئمَّةِ المسلمين، وعامِّتِهم»، والنَّصيحةُ لله هي التعظيمُ لأمرِه، والشَّفقةُ على خلقِه، وتكون بالدَّعوةِ إلى الإيمانِ به، ونَفيِ الشِّركِ وجَميعِ النَّقائصِ عنه، وإخلاصِ العبادةِ كلِّها له سُبحانه.
والنَّصيحةُ لكِتابِه سُبحانَه وتَعالَى تَكونُ بالإيمانِ بأنَّه كَلامُ اللهِ تَعالَى، مع شِدَّةِ حُبِّه، وتَعظيمِ قَدرِه، وتِلاوَتِه حَقَّ تِلاوتِه، والذَّبِّ عن تَأويلِ المُحَرِّفين له، والتَّصديقِ بما فيه، والِاعتِبارِ بمَواعِظِه، والتَّفَكُّرِ في عَجائبِه، والعَمَلِ بمُحكَمِه، والتَّسليمِ لمُتَشابِهه، ونَشرِ عُلومِه، والدُّعاءِ إليه.
والنَّصيحةُ للرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تكونُ باتِّباعِه وتَصديقِه في كلِّ ما جاء به، وتَنفيدِ أوامرِه، والانتهاءِ عمَّا نَهى عنه، ومُراعاةِ هَديِه وسُنَّتِه، ومُعاداةِ مَن عاداه، ومُوالاةِ مَن والاه، وإعظامِ حَقِّه، وتَوقيرِه، وبَثِّ دَعوَتِه، ونَشرِ شَريعَتِه، ونَفيِ التُّهمةِ عنها.
والنَّصيحةُ لأئمَّةِ المسلمين تكونُ بمُعاونتِهم على الحَقِّ، وطاعتِهم في المَعروفِ، وتَنبيهِهم وتَذكيرِهم برِفقٍ ولُطفٍ بأنسبِ الطُّرقِ على ما غَفَلوا عنه، مع إعانتِهم في إصلاحِ النَّاس، وعدَمِ الخروجِ، إلَّا أن يُرَى مِنهم كُفرٌ بواحٌ عِندنا فيه منَ اللهِ تَعالَى بُرهانٌ، وهذا مَشروطٌ بالقُدرةِ وعَدمِ حُصولِ مَفسدةٍ أكبَرَ.
وقد يَشمَلُ المرادُ بأئمَّةِ المُسلمين: عُلَماءُ الدِّينِ، فمِن نَصيحَتِهم: قَبولُ ما رَوَوهُ، وإحسانُ الظَّنِّ بهم.
والنَّصيحةُ لعامَّةِ المسلمين تكونُ بتَعريفِهم بأوامرِ اللهِ ورَسولِه وبشَرائعِ الدِّين، وبالعملِ على ما فيه نَفعُهم وصَلاحُهم، وإبعادِ الضَّررِ عنهم، وأمرِهِم بالمَعروفِ، ونَهيِهِم عنِ المُنكَرِ برِفقٍ وإخلاصٍ، والشَّفَقةِ عَليهِم، وتَوقيرِ صَغيرِهم، وتَخَوُّلِهم بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ، وتَركِ غِشِّهِم وحَسَدِهم، وأن يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لنَفسِه منَ الخَيرِ، ويَكرَه لهم ما يَكرَه لنَفسِه منَ المَكروهِ، والذَّبِّ عن أموالِهِم وأعراضِهِم، وغَيرِ ذلك ممَّا فيه صَلاحُ النَّاسِ في دِينِهم ودُنياهم.
وفي الحديث: بَيانُ أنَّ جَوهرَ الدِّينِ يَظهَرُ في التَّناصُحِ بين المسلمين بالمعروفِ.
وفيه: الحثُّ على النُّصحِ لكافَّةِ المسلمين بكلِّ مُستوياتِهم بَدأً من رأسِ الدَّولةِ حتى عامَّةِ النَّاسِ.