باب الرجاء 2

بطاقات دعوية

باب الرجاء 2

وعن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم: «يقول الله - عز وجل: من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد، ومن جاء بالسيئة فجزاء سيئة سيئة مثلها أو أغفر. ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة، ومن لقيني بقراب الأرض خطيئة لا يشرك بي شيئا، لقيته بمثلها مغفرة». رواه مسلم. (1) 
معنى الحديث: «من تقرب» إلي بطاعتي «تقربت» إليه برحمتي وإن زاد زدت «فإن أتاني يمشي» وأسرع في طاعتي «أتيته هرولة» أي: صببت عليه الرحمة وسبقته بها ولم أحوجه إلى المشي الكثير في الوصول إلى المقصود «وقراب الأرض» بضم القاف، ويقال: بكسرها والضم أصح وأشهر ومعناه: ما يقارب ملأها، والله أعلم

الله عز وجل واسع الرحمة، جزيل العطاء، ومعاملته لعباده دائرة بين العدل والفضل، ومن لطف الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم أنه ضاعف لها حسناتها ولم يضاعف سيئاتها
وفي هذا الحديث القدسي يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العزة أن من عمل وأتى بحسنة، ويدخل تحتها كل أعمال البر والطاعات، فإن الله عز وجل يثيبه عليها ويضاعفها له بعشر حسنات، وتلك أقل المضاعفة بمقتضى الوعد، ولذا قال: «وأزيد» على ذلك لمن أشاء بمقتضى فضلي وكرمي إلى سبع مائة وإلى أضعاف كثيرة لا يعلمها إلا الله، وهذا من فضل الله وكرمه على عباده، وأخبر سبحانه أن أتى وفعل سيئة، ويدخل تحتها كل أعمال المنكر والمعاصي، فإن الله عز وجل يكتبها عنده سيئة واحدة لا يزيدها ولا يضاعفها، وهذا لمن لم يتب عن سيئته أو يغفرها الله له، فإن تاب عنها فإن الله سبحانه يمحوها ويعفو عنها، كما بينه في قوله تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48]
ثم قال عز وجل: «ومن تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة»، أي: إن إقبال الله على العبد إذا أقبل العبد عليه سبحانه وتعالى يكون أكثر من إقبال العبد عليه، ومتوسط طول الذارع في المقاييس الحديثة 52 أو 75 سنتيمترا، ومعنى «الباع»: طول ذراعي الإنسان وعضديه. والهرولة في اللغة: الإسراع في المشي دون العدو، وصفة الهرولة لله عز وجل كما تليق به، ولا تشابه هرولة المخلوقين، كما قال تعالى: {ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} [الشورى: 11]. وفي هذه الجمل الثلاث بيان فضل الله عز وجل، وأنه يعطي أكثر مما فعل من أجله، فيعطي العامل أكثر مما عمل
وقال عز وجل: «ومن لقيني بقراب الأرض» أي: ملؤها، فلو جاء الإنسان إلى ربه وعليه من الذنوب ما تمتلئ به الأرض، وهو لا يشرك بالله شيئا، «لقيته بمثلها مغفرة»، أي: لقيته بمثل ملء الأرض مغفرة بمقتضى فضلي وكرمي، ما دام تائبا عنها، مستغفرا منها، أما إذا لم يتب من الذنوب مع تحقيق التوحيد، فهو تحت المشيئة لقوله تعالى: {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 116]
والمقصود من الحديث: دفع اليأس لمن كثرت ذنوبه؛ كي يتوب ويعود إلى الله، فلا ينبغي للعبد أن يغتر ويستكثر من الخطايا، فإنه يغفر لمن يشاء، ويعذب من يشاء، ولا يعلم من أيهم يكون، فعليه أن يؤدب نفسه بالخوف تارة، وبالرجاء تارة أخرى؛ كي يكون من الفائزين
وفي الحديث: الترغيب والحث على المجاهدة في الطاعة والعبادة
وفيه: فضيلة التوحيد وأنه سبب نجاة العبد