باب الرجاء 26
بطاقات دعوية
وعن أبي موسى - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إن الله تعالى يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، حتى تطلع الشمس من مغربها». رواه مسلم. (1)
رحمة الله وسعت كل شيء ومن رحمته أنه فتح باب التوبة لعباده بالليل والنهار، وهو سبحانه يحب التائبين ويدعو عباده إلى التوبة ويرغبهم فيها، فيتوب على من تاب ويغفر الذنب، ويصبر على العصاة، ولا يعجل لهم العقاب حتى يتوبوا ويرجعوا إليه
وفي هذا الحديث يبين النبي صلى الله عليه وسلم عظيم فضل الله تعالى وسعة رحمته وأن الله عز وجل «يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل» والمعنى: أنه سبحانه يقبل التوبة من عباده وإن تأخرت بعد ارتكاب الذنب، فالتوبة وإن كانت مأمورا بها على الفور إلا أنها إذا تأخرت قبلها الله عز وجل، فإن أذنب العبد ذنبا بالنهار وتاب بالليل قبل الله توبته، وإن أذنب ذنبا بالليل وتاب بالنهار قبل الله توبته، وبسط يده سبحانه يتلقى بهما توبة التائب فرحا بها وقبولا لها
ولا يزال الأمر كذلك بالعباد حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت من مغربها قبيل يوم القيامة فإن باب التوبة يغلق، فلا تقبل بعد تلك العلامة توبة أحد، ولا ينفع الإيمان من لم يؤمن من قبل، وهو معنى قوله تعالى: {يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا} [الأنعام: 158]، وللتوبة حد آخر؛ وهو أن يتوب الإنسان قبل غرغرة الموت، وهي وصول الروح إلى الحلقوم، كما قال تعالى: {وليست التوبة للذين يعملون السيئات حتى إذا حضر أحدهم الموت قال إني تبت الآن} [النساء: 18].
ولعل الحكمة من منع التوبة عند طلوع الشمس من مغربها أو عند الموت: أن الناس في هذا التوقيت تنكشف لهم الحقائق، ويشاهدون من الأهوال ما يلوي أعناقهم إلى الإقرار والتصديق بالله وآياته، وحكمهم في ذلك حكم من عاين بأس الله، كما قال تعالى: {فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين * فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 84، 85]
وللتوبة شروط؛ الأول: الإقلاع عن المعصية، والثاني: الندم على فعلها، والثالث: العزم على ألا يعود إليها أبدا، هذا إن كانت في حقوق الله تعالى، وإن كانت متعلقة بحق من حقوق العباد، فيشترط لصحة التوبة أن يؤدي ذلك الحق إلى صاحبه، أو يعفو عنه صاحب الحق
وفي الحديث: محبة الله للتوبة
وفيه: إثبات صفة اليد لله عز وجل، فنؤمن بها من غير تأويل ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل.
وفيه: تطييب لنفوس العباد، وتنشيط للتوبة، وبعث عليها قبل فوات الأوان.
وفيه: ردع عن اليأس والقنوط، وأن الذنوب وإن جلت فإن عفو الله سبحانه أجل، وكرمه أعظم.
وفيه: بيان أن طلوع الشمس من مغربها إحدى علامات الساعة الكبرى.