باب الرخصة في المزارعة بالثلث والربع 1
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن الصباح، أخبرنا سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، قال:
قلت لطاوس: يا أبا عبد الرحمن لو تركت هذه المخابرة، فإنهم يزعمون: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عنه. فقال: أي عمرو، إني أعينهم وأعطيهم، وإن معاذ بن جبل أخذ الناس عليها عندنا، وإن أعلمهم -يعني ابن عباس- أخبرني: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم ينه عنها وقال: "لأن يمنح أحدكم أخاه، خير له من أن يأخذ عليها أجرا معلوما" (1).
جاء الإسلامُ لِيُنظِّمَ العَلاقاتِ والمُعامَلاتِ بيْن النَّاسِ، وجَعَلَ هذه العَلاقاتِ قائمةً على مَبدأِ التَّعاونِ والأُلْفةِ، والمَحبَّةِ والمَودَّةِ، والبُعْدِ عن النِّزاعِ والشِّقاقِ، والضَّررِ والظُّلْمِ، والخِداعِ.
وفي هذه الرِّوايةِ دارَ حِوارٌ بيْن عَمرِو بنِ دِينارٍ وطاوسِ بنِ كَيسانَ، حيث كان طاوسٌ يَتعامَلُ بالمُخابَرةِ، وهي: العملُ في الأرضِ ببَعضِ ما يَخرُجُ منها، وهي شَبيهةٌ بالمُزارَعةِ، لكنِ الفَرْقُ بيْنهما: أنَّ البَذرَ مِن العاملِ في المُخابَرةِ، وفي المُزارعةِ مِن المالكِ. فقال له عمرٌو: لو تَرَكْتَ المُخابرةَ لَكان خيرًا لك؛ فإنَّ أصحابَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَقولون: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عنها، فأجابَه طاوسٌ: يا عمرُو، إنِّي أُعْطي العُمَّالَ ما يُغْنيهم ويَكْفيهم، ثمَّ قال له: وإنَّ أعلَمَ هؤلاء -يَقصِدُ ابنَ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما- الَّذينَ يَزعُمون أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَهى عنه أخبَرني: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لم يَنْهَ عنها، أي: عن المُخابَرةِ، ثمَّ رَوى طاوسٌ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «أنْ يَمنَحَ أحدُكم أخاه، خَيرٌ له مِن أنْ يَأخُذَ عليه خَرْجًا مَعلومًا»، أي: لو يُعطي أحدُكم أخاه الَّذي يَتعامَلُ معه أرْضَه مِنحةً وعاريَّةً، لَكان أَوْلى مِن أنْ يَأخُذَ عليه أجْرًا؛ لأنَّهم ربَّما يَتنازَعون في كِراءِ الأرض، فيُفضي بهمْ ذلك إلى الخِصامِ والمُشاحَنةِ والتَّعدِّي على الحُقوقِ؛ فكَرِهَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لهم ذلك؛ خَشيةَ وُقوعِ الشَّرِّ بيْنهم.