باب الرفق3
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن مصعب، عن الأوزاعي (ح)
وحدثنا هشام بن عمار وعبد الرحمن بن إبراهيم، قالا: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي، عن الزهري، عن عروة
عن عائشة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله" (1)
الرِّفقُ خُلُقٌ مِنَ الأخلاقِ الفاضِلةِ الَّتي يُحِبُّها اللهُ تَعالى، وتَأْتي بالخَيرِ لِلعَبدِ في الدُّنيا والآخِرةِ، وحَقيقَتُه: لِينُ الجانِبِ بالقَولِ والفِعلِ، والأخْذُ بالأسهَلِ، وهو ضِدُّ العُنفِ، والرِّفقُ ممَّا وهَبَه اللهُ تعالَى برَحْمتِه لنَبيِّه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في دَعوتِه إلى الإسلامِ، فكان سَهلًا رَقيقًا في تَعامُلِه مع النَّاسِ ومع أصحابِه، ولوْ كان سيِّئَ الأخلاقِ ذا قلْبٍ قاسٍ مُتحجِّرٍ، لَنَفَروا منه وفارَقوه.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ عائشةُ زَوجُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ لها: «يا عائشةُ، إنَّ اللهَ رَفيقٌ» فهو سُبحانه لَطيفٌ بِعبادِه رَحيمٌ بهمْ، يُحِبُّ أنْ يَتَّصِفَ عبْدُه بلِينِ الجانبِ والأخْذِ بالسَّهلِ؛ فلا يَكونُ فَظًّا ولا غَليظًا، ثمَّ أخبَرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ اللهَ تعالَى يُعطي مِن الجَزاءِ والأَجرِ على الرِّفقِ واللِّينِ أكثَرَ ممَّا يُعطيهِ على العُنفِ والشِّدَّةِ والغِلْظةِ، وأنَّ الجزاءَ والأجرَ فيهِ أعظَمُ مِن أيِّ صِفةٍ أُخرى مِن الصِّفاتِ الحَميدةِ؛ وذلكَ لأنَّ الرِّفقَ يَأتي مَعه ما لا يَأْتي معَ غيرِه.
وفي الصَّحيحينِ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ حثَّ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها على ذلكَ لَمَّا رَدَّتْ به على اليهودِ حينَ استأذَنوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالوا: «السَّامُ عليكَ» بدلًا من «السَّلامُ عليكَ»، والسَّامُ هو الموتُ، فقالتْ عائشةُ رَضيَ اللهُ عنها: بلْ عليْكم السَّامُ واللَّعْنةُ. فأمرَها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالرِّفقِ وعَدمِ الغَضبِ والقَسوةِ.
وفي الحديثِ: فَضلُ الرِّفقِ والحثُّ على التَّخلُّقِ به، وذمُّ العُنفِ، وأنَّ الرِّفقَ سَببُ كلِّ خَيرٍ.
وفيه: إثباتُ اسمِ الرَّفيقِ للهِ عزَّ وجلَّ، ووَصْفُه به.