باب الرمي في سبيل الله2
سنن ابن ماجه
حدثنا يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن سليمان بن عبد الرحمن القرشي، عن القاسم أبي عبد الرحمن
عن عمرو بن عبسة، قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "من رمى العدو بسهم، فبلغ سهمه العدو، أصاب أو أخطأ، فعدل رقبة"
الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ عزَّ وجلَّ ذِروةُ سَنامِ الإسلامِ، وقد حثَّ عليه الإسلامُ ورغَّب فيه ورفَع مِن أجرِ المجاهِدين وثوابِهم، كما يقولُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم في هذا الحديثِ: "مَن رمَى بسَهمٍ في سبيلِ اللهِ"، أي: مَن خرَج للجِهادِ والقِتالِ في سَبيلِ اللهِ سبحانه وتعالى، وصوَّب سَهْمَه، "فبَلَغ العدوَّ، أخطَأ أو أصاب"، أي: وصَل هذا السَّهمُ إلى مكانِ العدوِّ فأخطأَه فلم يَقتُلْه، أو أصابَه فقتَله، "كان له كعِدْلِ رَقَبةٍ"، أي: كان له مِن الجَزاءِ والأجرِ مِثلُ مَن أعتَق وحرَّر مَملوكًا وخلَّصَه مِن ضرَرِ الرِّقِّ والعبوديَّةِ، وملَّكَه نفْسَه.
ثمَّ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فضْلَ مَن أعتَق رقَبةً، فقال: "ومَن أعتَق رَقبةً مُسلِمةً"، أي: مَن حرَّر عبدًا مِن رِقِّه وعُبوديَّتِه، "كان فِداءُ كُلِّ عُضوٍ منه عضوًا مِنه مِن نارِ جَهنَّمَ"، أي: إنَّ كلَّ عُضوٍ من أعضاءِ المعتَقِ الَّذي حدَثَت له الحرِّيَّةُ مِن الرِّقِّ في الدُّنيا؛ فإنَّ اللهَ يُكافِئُ الَّذي أعتَق بأن يُعتِقَ كلَّ عُضوٍ منه مِن النَّارِ، فتكونُ له السَّلامةُ مِن النَّارِ.
ثمَّ بيَّنَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فَضْلَ مَن شابَ في الجِهادِ، فقال: "ومَن شابَ شَيبةً في سَبيلِ اللهِ"، والشَّيبُ هو تغيُّرُ لونِ الشَّعرِ إلى البَياضِ بسبَبِ كِبَرِ السِّنِّ، والمقصودُ أنَّ مَن عاش عُمرَه وهو يُجاهِدُ ويُقاتِلُ في سَبيلِ اللهِ إلى أنْ شاب وتغيَّر لونُ شَعرِه، ولو شَعرةٌ واحِدةٌ كان جزاؤُه أنْ تكونَ هذه الشَّيبةُ له "نورًا يومَ القيامةِ"، أي: يَتحوَّلُ الشَّعرُ نَفسُه إلى نورٍ يَهتدي به صاحبُه يومَ القِيامةِ، وقيل: أي: المقصودُ بسَبيلِ اللهِ الإسلامُ، أي: مَن شاب شَيبةً بأنْ شابَ شَعرُه، وهو يقومُ بأعمالِ البرِّ والطَّاعاتِ في الإسلامِ...إلخ.
وفي الحديثِ: أنَّ الجزاءَ مِن جِنسِ العمَلِ.
وفيه: فضلُ إعتاقِ الرِّقابِ.
وفيه: بيانُ أجرِ مَن عاش عُمرَه في الطَّاعةِ للهِ تعالى في الجِهادِ أو في الإسلامِ عمومًا .