باب الزجر عن الاختلاف في القرآن 1
بطاقات دعوية
عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال هجرت (4) إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوما قال فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية فخرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف في وجهه الغضب فقال إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب. (م 8/ 57)
القرآنُ الكريمُ هو كَلامُ اللهِ المقدَّسُ، والمسْلمُ مُطالَبٌ بأنْ يقومَ بحِفظِه وقِراءتِه، مع تَدبُّرِه بقَلبٍ خاشعٍ واعٍ، وتَدارُسِه مع المسْلِمين في حالةٍ مِن التَّوافُقِ والأُلفةِ؛ حتَّى تَجتمِعَ كَلمةُ الأُمَّةِ، ولكنْ إذا اختَلَفَت الأفهامُ في بعضِ مَعانيهِ ومُتشابهاتِه، فلا يَنْبغي التَّوقُّفُ عندَ ذلك، بلْ لا بُدَّ مِن تَجاوُزِه إلى ما يَتَّفِق عليه المسْلِمون وتَركِ المُتشابهاتِ لأُولي العلمِ
وفي هذا الحديثِ يَرْوي عبدُ اللهِ بنُ عَمرٍو رَضيَ اللهُ عنهما أنَّه أَتى في الهاجرَةِ -أي: وَقْتِ الظَّهيرةِ، وهي وَقتُ شِدَّةِ الحرِّ- إِلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في إحْدى حُجراتِ زَوجاتِه، فسَمِعَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو في حُجرتِه أَصواتَ رَجُلينِ اختَلَفا وتَنازَعا في مَعنى، أو في ضَبطِ القراءةِ لآيةٍ مِن آياتِ القرآنِ، فخَرجَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى المسجدِ يُعرَفُ في وَجهِه الغَضبُ، وَكان صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لا يَغضَبُ لنَفسِه وإنَّما كانَ يَغضبُ للهِ، فيَشتدُّ بِه ذلكَ الغَضبُ حتَّى يُرى أَثرُه مِن حُمرةِ اللَّونِ ونَحوِها في وَجهِه الكَريمِ؛ فقال للمُتخاصمينِ في الآيةِ: «إنَّما هَلكَ مَن كانَ قَبلَكم» وهُم أهلُ الكتابِ مِنَ اليَهودِ والنَّصارى «باختِلافِهم في الكِتابِ» المُنزَّلِ عَلى نَبيِّهم بأنْ قالَ كُلُّ واحدٍ مِنهُم ما شاءَ مِن تِلقاءِ نَفسِه، فهَلَكوا في الدِّينِ بكُفرِهم وابتداعِهم، وهذا يَحمِلُ تَحذيرًا مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن مِثلِ فِعلِهم
وفي الصَّحيحينِ أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «اقْرَؤوا القرآنَ ما ائتَلَفَت قُلوبُكم، فإذا اختَلَفْتُم فقُوموا عنه»، أي: إذا اختَلَفْتُم في فَهمِ مَعانيهِ وعَرَض عارضُ شُبهةٍ يَقْتضي المنازَعةَ الدَّاعيةَ إلى الافتراقِ، فاتْرُكوا القراءةَ وتَمسَّكوا بالمحْكَمِ الموجِبِ للأُلفةِ
وفي الحديثِ: الحثُّ عَلى تَحمُّلِ المشَقَّةِ والإِسراعِ إلى المَسجدِ وطَلبِ العِلمِ
وفيهِ: النَّهيُ عن الِاختلافِ في القُرآنِ
وفيه: أنَّ مِن أسبابِ هَلاكِ الأُممِ السَّابقةِ اختلافَهم في الكتابِ المنزَّلِ على نَبيِّهم