باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

بطاقات دعوية

باب الزكاة على الزوج والأيتام في الحجر

عن زينب امرأة عبد الله قالت: كنت في المسجد، فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال:
"تصدقن ولو من حليكن". وكانت زينب تنفق على عبد الله، وأيتام في حجرها، فقالت لعبد الله: سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيجزىء عني أن أنفق عليك وعلى أيتامي في حجري من الصدقة؟ فقال: سلي أنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فانطلقت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فوجدت امرأة من الأنصار على الباب، حاجتها مثل حاجتي، فمر علينا بلال، فقلنا: سل النبي - صلى الله عليه وسلم -: أيجزىء عني أن أنفق على زوجي وأيتام لي في حجري؟ وقلنا: لا تخبر بنا، فدخل، فسأله؟ فقال: "من هما؟ ". قال: زينب، قال: "أي الزيانب؟ ". قال: امرأة عبد الله، قال:
"نعم، ولها أجران؛ أجر القرابة، وأجر الصدقة"

حثَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ على الصَّدقةِ، وبيَّن أنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ ما كان على ذَوي الحاجةِ مِن الأقاربِ، وبهذا تُؤدِّي النَّفقةُ دَورَها في التَّكافُلِ وإعانةِ المُحتاجِ، وتَتحقَّقُ صِلةُ الرَّحمِ.
وفي هذا الحديثِ تُخبِرُ زَينبُ بنتُ مُعاويةَ -أو بِنتُ أبي مُعاويةَ- امرأةُ عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنهما: أنَّها كانت في المسجدِ، فرَأَتِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقولُ: «تَصدَّقْنَ ولو مِن حُلِيِّكنَّ»، أي: أخرِجْنَ الصَّدقةَ ولو مِن الحُليِّ الذي تَتزيَّنُ به إحداكُنَّ. وكانت زَينبُ تُنفِقُ على زَوجِها عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ وأيتامٍ في حَجْرِها، قيل: همْ بَنو أخيها وبَنو أُختِها، فطَلَبَت مِن زَوجِها عَبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يَسأَلَ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن صِحَّةِ إنفاقِها عليه -وكان عبدُ اللهِ رجُلًا فَقيرًا- وعلى أيتامٍ أقارِبَ لها، وهلْ يَكْفي ذلك عن صَدَقتِها؟ فقال لها عَبدُ اللهِ: بلْ سَلِي أنتِ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وسَببُ امتناعِه عن السُّؤالِ هو مَهابتُه رَضيَ اللهُ عنه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. وقيل: لعلَّ امتناعَه لأنَّ السُّؤالَ منه يُنبِئُ عن الطَّمَعِ. قالتْ: فانطَلَقْتُ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فوجَدْتُ امرأةً مِن الأنصارِ على البابِ، سُؤالُها مِثلُ سُؤالي، وهو السُّؤالُ عن الصَّدقةِ على الأقاربِ، قيل: هذه المرأةُ هي زَينبُ امرأةِ أبي مَسعودٍ عُقبةَ بنِ عمْرٍو الأنصاريِّ، قالت: فمَرَّ علينا بِلالٌ، فقُلْنا له: سَلِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيَجزي ويَكفي ويُقبَلُ عنِّي أنْ أُنفِقَ على زَوجي وأيتامٍ لي في حَجْرِي؟ وهذِه النَّفقةُ قِيل: إنَّها النَّفقةُ الواجِبةُ، وقيل: إنَّها نَفقةُ التَّطوُّعِ، وهو مَحمولٌ في الواجِبةِ على مَن لا يَلزَمُ المُعطِي نَفقتُه مِن الأقارِبِ. وقُلْنا لبِلالٍ: لا تُعيِّنِ اسْمَنا لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولا تقُلْ: إنَّ السائلةَ فُلانةُ، بلْ قُلْ: يَسألُك امرأتانِ، أو لا تُخبِرْه عن اسْمِنا بلا سُؤالٍ، وإلَّا فعِندَ السؤالِ يَجِبُ الإخبارُ؛ فلا يُمكِنُ المنعُ، وإنَّما أرادَا الإخفاءَ مُبالَغةً في نَفْيِ الرِّياءِ، أو رِعايةً للأفضلِ. فدَخَل بِلالٌ وأخبَرَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمَسألةِ، فسَأَلَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن هما؟ فقال: زَينبُ، قال: أيُّ الزَّيَانِبِ؟ فقال: امرأةُ عبدِ اللهِ، فاكْتَفى بِلالٌ بذِكرِ اسمِ مَن هي أكبَرُ وأعظَمُ، وفي رِوايةِ النَّسائيِّ ذِكرُ اسمِ زَينبَ الأُخرى فقال: زَينبُ الأنصاريَّةُ. وإنَّما عيَّنها بِلالٌ لسُؤالِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وطَلبِه؛ فإنَّ جَوابَه واجبٌ مُتحتِّمٌ لا يَجوزُ تَأخيرُه، فأخبَرَه النبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه يُجزِئُ عنهما، وأنَّ للزَّوجةِ أنْ تَتصدَّقَ على زَوجِها وأبنائِها، ولها على ذلك أجْرانِ: أجرُ القرابةِ وصِلةِ الرَّحمِ، وأجرُ الصَّدقةِ.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإنفاقِ على الأَقاربِ وصِلةِ الرَّحمِ، وأنَّ ذلِك فيه أجْرانِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَبرُّعِ المرأةِ بمالِها بغَيرِ إذْنِ زَوجِها؛ فقدْ تَصدَّقْنَ مُباشرةً بالحُليِّ وبالأقراطِ التي في آذانِهنَّ.
وفيه: مَشروعيَّةُ عِظَةِ الإمامِ النِّساءَ.
وفيه: مَشروعيَّةُ تَحدُّثِ الرَّجُلِ مع النِّساءِ الأجانبِ عِندَ الحاجةِ وأمْنِ الفِتنةِ؛ فقدْ تحدَّثَتِ الزَّيانِبُ مع بلالٍ وراجعْنَه بعِلمٍ مِن رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.