باب السلم في الحيوان 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا زيد بن الحباب، حدثنا معاوية بن صالح، حدثني سعيد بن هانئ، قال:سمعت العرباض بن سارية يقول: كنت عند النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقال أعرابي: اقضني بكري، فأعطاه بعيرا مسنا، فقال الأعرابي: يا رسول الله، هذا أسن من بعيري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "خير الناس خيرهم قضاء" (1).
لقدْ حَرَصَ الشَّرعُ الحَكيمُ على إقامةِ العَلاقاتِ الطَيِّبةِ بيْن المُسلِمينَ في تَعاملاتِهم، فجعَلَ فيها التَّكافُلَ والتَّرابُطَ، والمَحبَّةَ والتَّعاونَ، ورَدَّ الأماناتِ والدُّيونِ والحقوقِ إلى أهلِها.
وفي هذا الحديثِ يَرْوي أبو رافعٍ مَولى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتقْرَضَ مِن رجلٍ -قيل هو: أبو الشَّحمِ- «بَكْرًا» وهو الفَتى مِنَ الإبلِ بِمنزلِةِ الغُلامِ مِنَ الإنسانِ، ثمَّ جاءتْه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إبل مِنْ إبلِ الصَّدقةِ، فَأمرَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أبا رافعٍ رَضيَ اللهُ عنه أنْ يُؤدِّي لِلرَّجلِ ما اسْتقرَضَه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ منه، فقالَ أبو رافعٍ: إنَّه لم يَجدْ فيها إلَّا جملًا «خِيارًا» أي: مُختارًا، «رَباعِيًا» وهو مِنَ الإبلِ ما أتى عليه سِتُّ سِنينَ ودَخلَ في السَّابعةِ حين طَلعَتْ رَباعِيَتُه، أي: إنَّ هذا الجمَلَ أفضلُ مِمَّا اسْتقرضَه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن هذا الرَّجُلِ، فقالَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أَعطِه إيَّاه؛ وعلَّل ذلكَ بأنَّ أفْضلَ النَّاسِ وأجودَهم مَن إذا اسْتقْرَضَ، رَدَّ ما عليه بِأفضَلَ مِمَّا أخَذَه دُونَ اشتراطِ الْمُقرِضِ؛ حتَّى لا يكونَ رِبًا.
وقدِ استُشكِلَ أمرُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بقَضاءِ الرَّجلِ دَينَه مِن إبِلِ الصَّدقةِ، وجَوابُه: أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اقتَرَضَ لنَفسِه، فلمَّا جاءتْ إبِلُ الصَّدقةِ اشْتَرى منها بَعيرًا رَباعيًا ممَّن استَحقَّه، فمَلَكَه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بثَمنِه، وأوْفاهُ مُتبرِّعًا بالزِّيادةِ مِن مالِه، ويدُلُّ عليه حَديثُ الصَّحيحينِ، عن أبي هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه، أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمَرَهُم بقولِه: «اشْتَرُوا له سِنًّا، فأعْطُوها إيَّاه». وقيل: يَحتمِلُ أنَّ المقترِضَ كان بعضَ المُحتاجِين، فاقتَرَضَ لنَفسِه، ثمَّ أعطاهُ مِن الصَّدقةِ حِين جاءتْ، وأمَرَه بالقضاءِ.
وفي الحديثِ: بَيانُ مكارمِ أخلاقِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وَإحسانِه في مُعاملاتِه.