باب الشؤم في الدار والمرأة والفرس 2

بطاقات دعوية

باب الشؤم في الدار والمرأة والفرس 2

 عن جابر بن عبد الله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إن كان في شيء ففي الربع (3) والخادم والفرس. (م 7/ 35

كَتَبَ اللهُ سُبحانه مَقادِيرَ الخَلائِقِ قبْلَ أنْ يَخلُقَ السَّمواتِ والأرضَ بخَمسينَ ألْفَ سَنةٍ؛ فلا يَجري شَيءٌ في الكَونِ إلَّا بعِلمِه وقَدَرِه، والتَّشاؤُمُ والتَّفاؤُلُ لا يُغيِّرانِ مِن قَدَرِ اللهِ شَيئًا، فالَّذي يَنبَغي لِلمُؤمِنِ أنْ يَعلَمَه أنَّ تَشاؤُمَه لنْ يُغيِّرَ مِن قَدَرِ اللهِ شَيئًا، وأنَّ قَدَرَه تعالَى كُلَّه له خَيْرٌ، وما يُحَصِّلُه مِن تَشاؤُمِه إنَّما هو تَعذيبُ نَفْسِه فقطْ.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ التَّشاؤُمَ -وهو التَّوَهُّمُ بوُقوعِ المَكْروهِ بشَيءٍ ما، فيُظَنُّ أنَّ هذا الشَّيءَ هو السَّببُ فيما حَدَثَ أو أصابَ العَبدَ- يَكونُ عن أسبابٍ ثَلاثةٍ، أو أنَّ النُّفوسَ يَقَعُ فيها التَّشاؤُمُ بثَلاثةِ أشياءَ أكثَرَ ممَّا يَقَعُ بغَيرِها، وهذه الثَّلاثةُ هي: «الرَّبْعُ» وهو الدَّارُ، كأنْ تَكونَ ضيِّقةً، أو جارُها جارَ سوءٍ، أو بعيدةً عن المسجدِ. «والخادِم» كأنْ يَكونَ سيِّئَ الخُلُقِ والدِّينِ والخِدْمَةِ.

«والفَرَس» كأنْ تكونَ غيرَ صالحةٍ للغَزو، أو نَفورًا غير صالحةٍ للركوبِ، ومِثل ذلك الآنَ السيَّاراتُ؛ فبعضُ السيَّاراتِ يكونُ فيها شُؤمٌ، حيثُ تَكثُر حوادِثُها وخَرابُها، ويَسأَمُ الإنسانُ منها.

وفي الصَّحيحينِ مِن حَديثِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ رَضيَ اللهُ عنهما جعَلَ المرأةَ -وهي الزَّوجةُ- بدَلَ الخادمِ؛ وذلك إذا كانَتْ سَلِيطةَ اللِّسانِ، أو غَيرَ قانِعةٍ، أو غَيرَ وَلودٍ.
وهذه الأشياءُ الأربعةُ هي مِن أغلَب ما يَكونُ فيه التَّشاؤُمُ؛ لِأنَّها أكثَرُ دَوَامًا مِن غَيرِها، ولها أهَمِّيَّةٌ عُظمَى، وأثَرٌ كَبيرٌ في حَياةِ الإنسانِ؛ فإذا كانَتِ الدَّارُ صِحِّيَّةً واسِعةً مُناسِبةً له ولِأُسرَتِه، وكانَتِ الفَرَسُ -وما في مَعانيها ممَّا يُركَبُ؛ مِثلَ السَّيَّارةِ- قَوِيَّةً مُرِيحَةً؛ ارْتَاحَ الإنسانُ في حَياتِه، وشَعَرَ بالسَّعادةِ، وأحَسَّ بالاطمِئنانِ والاستِقرارِ النَّفْسِيِّ، وإذا كان الخادمُ مُطيعًا ومُدبِّرًا لشُؤونِ سَيِّدِه، ولا يُفْشي سِرَّه، ولا يُضيِّعُ مالَه؛ كان خيْرًا للمسْلمِ، وإذا كانَتِ المرأةُ مُلائِمةً لزَوجِها خُلُقًا، مُتَفاهِمةً معه، مُخلِصةً له، مُطيعةً وَفِيَّةً؛ ارْتَاحَ الإنسانُ في حياتِه، وشَعَرَ بالسَّعادةِ، وأحَسَّ بالاطمِئنانِ والاستِقرارِ النَّفْسِيِّ، وإنْ كانت هذه الأمورُ على خِلافِ ذلك، فإنَّ الإنسانَ يَشعُرُ بالتَّعاسةِ والقَلَقِ، ويَتْعَبُ تَعَبًا جِسمِيًّا ونَفْسِيًّا معًا.
وقيلَ: الشُّؤمُ في هذه الأشياءِ إنَّما يَلحَقُ مَن تَشاءَمَ بها وتَطيَّرَ بها، أمَّا مَن تَوكَّلَ على اللهِ، ولم يَتشاءَمْ، ولم يتَطيَّرْ؛ لم تَكُنْ مَشْؤومةً عليه، ويَدُلُّ عليه ما رَواه ابنُ حِبَّانَ عن أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: «الطِّيَرةُ على مَن تَطيَّرَ»، ومَعْناهُ: إثْمُ الطِّيَرةِ على مَن تَطيَّرَ بعْدَ عِلمِه بنَهيِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عنِ الطِّيَرةِ.
ونَفيُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في حَديثِ الصَّحيحينِ وُجودَ التَّطيُّرِ والتَّشاؤمِ -في قولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «لا طِيَرَةَ»- لا يَتعارَضُ مع هذا الحديثِ الَّذي يُثبِتُ وُجودَ الشُّؤمِ في هذه الأمورِ الثَّلاثةِ؛ لأنَّ إخْبارَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بأنَّ الشُّؤمَ يَكونُ في هذه الثَّلاثةِ ليْس فيه إثْباتُ الطِّيَرةِ الَّتي نَفاها، وإنَّما غايَتُه أنَّ اللهَ سُبحانَه قدْ يَخلُقُ منها أعْيانًا مَشْؤومةً على مَن قارَبَها، وأعْيانًا مُبارَكةً لا يَلحَقُ مَن قارَبَها منها شُؤمٌ، ولا شَرٌّ، وهذا كما يُعطي سُبحانَه الوالِدَيْنِ وَلَدًا مُبارَكًا يَرَيانِ الخَيرَ على وَجهِه، ويُعطي غَيرَهما وَلَدًا مَشْؤومًا نَذْلًا يَرَيانِ الشَّرَّ على وَجهِه، وكُلُّ ذلِكَ بقَضاءِ اللهِ وقَدَرِه، كما خَلَقَ سائِرَ الأسْبابِ ورَبَطَها بمُسبَّباتِها المُتَضادَّةِ والمُختَلِفةِ.
وفي حَديثٍ لأحمَدَ بيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّه إذا أُصِيبَ الإنسانُ بِمِثْلِ هذا، فلْيَقُلِ: «اللَّهُمَّ لا خَيْرَ إلَّا خيرُك، ولا طَيْرَ إلَّا طَيْرُك، ولا إلَهَ غيرُك»، فيُزِيلُ اللهُ ما في نَفْسِه مِنَ الشُّؤْمِ، والمقصود من هذا الخَبرِ هو النَّهيُ عن التَّطيُّرِ والتَّشاؤُمِ.
وفي هذا إشارةٌ إلى أنَّه على المرءِ إذا أرادَ أنْ يَسْكُنَ دارًا أو يأتِيَ بخادِمٍ أو يَقْتَنِيَ فَرَسًا أو سيَّارَةً؛ أنْ يَتحرَّى كلَّ التحرِّي في اختيارِ ذلك، وأنْ يَتحقَّقَ مِن صَلاحِيَتِه ومُلاءَمتِه له؛ لِيَتمكَّنَ من الاستفادةِ والاستمتاعِ به، ولئلَّا يكونَ سبيلًا لإدخالِ الشُّؤمِ عليه.