باب الشهداء العدول وقول الله تعالى {وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله}
بطاقات دعوية
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: إن أناسا كانوا يؤخذون بالوحي في عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الوحي قد إنقطع، وإنما ناخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه، وقربناه، وليس إلينا من سريرته شيء، الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نامنه، ولم نصدقه، وإن قال: إن سريرته حسنة
الأعمالُ الظَّاهرةُ هي ما يُؤاخَذُ عليها العبدُ في دُنياهُ، وأمَّا السَّرائِرُ فاللهُ تَعالى هو العَليمُ بها، وهو مَنْ يُحاسِب عليها، فلمْ يَأمُرْنا اللهُ عزَّ وجلَّ أنْ نُفتِّشَ في سَرائرِ النَّاسِ وضَمائرِهم لنَحكُمَ عليهم.
وفي هذا الحديثِ يُخبِرُ عُمرُ بنُ الخطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه أنَّ الوحْيَ كان يَنزِلُ في عهْدِ النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم، فيَكشِفُ عن حالِ بَعضِ النَّاسِ وسَرائرِهم؛ لأن بعض الناس في عهد الرسول صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانوا منافقين يظهرون الخير ويبطنون الشر، ولكن الله تعالى كان يفضحهم بما ينزل من الوحي على رسوله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وقد انقطع الوحي بوفاة رسول الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وبما أنَّ الوحيَ قد انقطع فلَيس لنا أنْ نَأخُذَكم -أي: نُحاسِبَكم- إلَّا بما ظَهَر لنا مِن أعمالِكم الصَّالحةِ أو الطَّالِحةِ، فمَنْ أظْهَرَ لَنا خَيرًا، أصبَحَ في أمانٍ، وصارَ عندنا أمينًا، وقولُه: «قَرَّبْناهُ»، أي: أكَرَمْناه وعظَّمناهُ. ولا نُحاسِبُه على ما أسَرَّ مِن أمْرِه؛ فاللهُ عزَّ وجلَّ هو مَن يُحاسِبُه على ذلك. وأمَّا مَن أظْهَرَ لَنا سُوءًا وشرًّا -كمن أتى كبيرة، أو أصاب حدا، أو جاء بما يستوجب العقوبة؛ لأنه لا يسلم أحد من ذنب- لم يُصبِحْ في أمانٍ، ولم يَصِرْ عندنا أمينًا، ولمْ نُصَدِّقْهُ، حتَّى وإنْ قال: إنَّ سَريرتَهُ حَسَنةٌ؛ فلا اعتبارَ لقولِه: إنَّ ما يُسِرُّ مِن أمْرِه خيرٌ، بلْ لنا أعمالُهُ الظَّاهرةُ فقط.
وفي الحديثِ: أنَّ الأصلَ في المسلمِ العدَالةُ حتَّى يَظهَرَ منه ما يُنافِيها.