باب الصبر 20
بطاقات دعوية
وعن صهيب - رضي الله عنه: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «كان ملك فيمن كان قبلكم وكان له ساحر فلما كبر قال للملك: إني قد كبرت فابعث إلي غلاما أعلمه السحر؛ فبعث إليه غلاما يعلمه، وكان في طريقه إذا سلك راهب، فقعد إليه وسمع كلامه فأعجبه، وكان إذا أتى الساحر، مر بالراهب وقعد إليه، فإذا أتى الساحر ضربه، فشكا ذلك إلى الراهب، فقال: إذا خشيت الساحر، فقل: حبسني أهلي، وإذا خشيت أهلك، فقل: حبسني الساحر (1).
فبينما هو على ذلك إذ أتى على دابة عظيمة قد حبست الناس، فقال: اليوم أعلم الساحر أفضل أم الراهب أفضل؟ فأخذ حجرا، فقال: اللهم إن كان أمر الراهب أحب إليك من أمر الساحر فاقتل هذه الدابة حتى يمضي الناس، فرماها فقتلها ومضى الناس، فأتى الراهب فأخبره. فقال له الراهب: أي بني أنت اليوم أفضل مني قد بلغ من أمرك ما أرى، وإنك ستبتلى، فإن ابتليت فلا تدل علي؛ وكان الغلام يبرىء الأكمه والأبرص، ويداوي الناس من سائر الأدواء. فسمع جليس للملك كان قد عمي، فأتاه بهدايا كثيرة، فقال: ما ها هنا لك أجمع إن أنت شفيتني، فقال: إني لا أشفي أحدا إنما يشفي الله تعالى، فإن آمنت بالله تعالى دعوت الله فشفاك، فآمن بالله تعالى فشفاه الله تعالى، فأتى الملك فجلس إليه كما كان يجلس، فقال له الملك: من رد عليك بصرك؟ قال: ربي، قال: ولك رب غيري؟ قال: ربي وربك الله، فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الغلام، فجيء بالغلام، فقال له الملك: أي بني، قد بلغ من سحرك ما تبرىء الأكمه والأبرص (2)وتفعل وتفعل! فقال: إني لا أشفي أحدا، إنما يشفي الله تعالى. فأخذه فلم يزل يعذبه حتى دل على الراهب؛ فجيء بالراهب فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدعا بالمنشار (1) فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه حتى وقع شقاه، ثم جيء بجليس الملك فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فوضع المنشار في مفرق رأسه، فشقه به حتى وقع شقاه، ثم جيء بالغلام فقيل له: ارجع عن دينك، فأبى، فدفعه إلى نفر من أصحابه، فقال: اذهبوا به إلى جبل كذا وكذا فاصعدوا به الجبل، فإذا بلغتم ذروته فإن رجع عن دينه وإلا فاطرحوه. فذهبوا به فصعدوا به الجبل، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فرجف بهم الجبل فسقطوا (2)، وجاء يمشي إلى الملك، فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى، فدفعه إلى نفر من أصحابه فقال: اذهبوا به فاحملوه في قرقور وتوسطوا به البحر، فإن رجع عن دينه وإلا فاقذفوه. فذهبوا به، فقال: اللهم أكفنيهم بما شئت، فانكفأت بهم السفينة فغرقوا، وجاء يمشي إلى الملك. فقال له الملك: ما فعل أصحابك؟ فقال: كفانيهم الله تعالى. فقال للملك: إنك لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به. قال: ما هو؟ قال: تجمع الناس في صعيد واحد وتصلبني على جذع، ثم خذ سهما من كنانتي، ثم ضع السهم في كبد القوس ثم قل: بسم الله رب الغلام (3)، ثم ارمني، فإنك إذا فعلت ذلك قتلتني، فجمع الناس في صعيد واحد، وصلبه على جذع، ثم أخذ سهما من كنانته، ثم وضع السهم في كبد القوس، ثم قال: بسم الله رب الغلام، ثم رماه فوقع في صدغه (4)، فوضع يده في صدغه فمات، فقال الناس: آمنا برب الغلام، فأتي الملك فقيل له: أرأيت ما كنت تحذر قد والله نزل بك حذرك. قد آمن الناس. فأمر بالأخدود بأفواه السكك فخدت (5) وأضرم فيها النيران وقال: من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها، أو قيل له: اقتحم ففعلوا حتى جاءت امرأة ومعها صبي لها، فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها الغلام: يا أمه اصبري فإنك على الحق!». رواه مسلم. (6)
لا ينصلح حال الجماعة إلا بوجود إمام وحاكم يقيم لهم أمر دينهم ودنياهم، وقد أحاطت الشريعة الإسلامية هذا المنصب بالعناية؛ لأن اختلاله اختلال لأمر الجماعة؛ ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأمة بطاعة ولاة أمورها في المعروف، وعدم الخروج عليهم
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم أمته أنه «ستكون أثرة، وأمور تنكرونها»، يعني: سيأتي أمراء يفضلون عليكم غيركم، ويأخذون من الأموال التي حقها أن تكون مشتركة للجميع، وسيكون منهم أمور تنكرونها في الدين، فسأل الصحابة رضي الله عنهم النبي صلى الله عليه وسلم: ماذا يفعلون؟ فأمرهم أن يفعلوا ما يجب عليهم تجاه أمرائهم؛ من إخراج الحق الواجب في المال، والخروج للجهاد، وسائر ما يجب على المسلم من طاعة إمامه، ثم يسألوا الله تعالى حقهم الذي منعوا منه، فيطلبوا من الله تعالى أن يدفع عنهم شر ولاة الجور، وأن يصلحهم، ويعوضهم خيرا مما فاتهم، وأن يكلوا أمرهم إلى الله سبحانه
وفي الحديث: علامة من علامات نبوته صلى الله عليه وسلم
وفيه: الحث على السمع والطاعة، وإن كان المتولي ظالما عسوفا، فيعطى حقه من الطاعة، ولا يخرج عليه، ولا يخلع؛ بل يتضرع إلى الله تعالى في كشف أذاه، ودفع شره، وإصلاحه