باب الصبر 25
بطاقات دعوية
وعن أبي إبراهيم عبدِ الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما: أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعْضِ أيامِهِ التي لَقِيَ فِيهَا العَدُوَّ، انْتَظَرَ حَتَّى إِذَا مالَتِ الشَّمْسُ قَامَ فيهمْ، فَقَالَ: «يَا أيُّهَا النَّاسُ، لا تَتَمَنَّوا لِقَاءَ العَدُوِّ، وَاسْأَلُوا الله العَافِيَةَ، فَإِذَا لقيتُمُوهُمْ فَاصْبرُوا (1)، وَاعْلَمُوا أنّ الجَنَّةَ تَحْتَ ظِلالِ السُّيوفِ».
ثُمَّ قَالَ النَّبيُّ - صلى الله عليه وسلم: «اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الكِتَابِ، وَمُجْرِيَ السَّحَابِ، وَهَازِمَ الأحْزَابِ، اهْزِمْهُمْ وَانصُرْنَا عَلَيْهمْ». مُتَّفَقٌ عَلَيهِ، (2) وبالله التوفيق.
العافية نعمة من النعم التي ينبغي على المرء أن يداوم على سؤال المولى سبحانه وتعالى إياها
وفي هذا الحديث يخبر سالم مولى عمر بن عبيد الله -وكان كاتبا له- أنه قرأ كتابا كتبه عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنهما إلى عمر بن عبيد الله الذي كان أميرا للحرب على الخوارج والحرورية في عهد الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، والحرورية هم فئة من الخوارج، وسموا بالحرورية؛ نسبة إلى حروراء، وهي موضع قريب من الكوفة، وهي البلد الذي اجتمع الخوارج فيه أول أمرهم، وكان في الكتاب: «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه»، أي: غزواته «التي لقي فيها العدو، انتظر حتى مالت الشمس»، وتحركت عن وسط السماء، وبذلك تكون الحرارة قد انكسرت، «ثم قام في الناس» المحاربين معه، فخطب فيهم «فقال: أيها الناس، لا تمنوا لقاء العدو»، وهذا النهي لأن المرء لا يعلم ما ينتهي إليه أمره، ولا كيف ينجو منه، ولأن الناس مختلفون في الصبر على البلاء، ولأن العافية والسلامة لا يعدلها شيء. وأيضا نهى صلى الله عليه وسلم عن تمني لقاء العدو؛ لما فيه من صورة الإعجاب بالنفس، والاتكال عليها، والوثوق بأسباب القوة، ولأنه يتضمن قلة الاهتمام بالعدو واحتقاره، وهذا يخالف الاحتياط والحزم، «وسلوا الله العافية»، والعافية من الألفاظ العامة المتناولة لدفع جميع المكروهات في البدن والمال والأهل والدنيا والآخرة، وخصت بالدعاء في هذا المقام؛ لأن الحرب مجال الإصابات والابتلاء، ثم قال لهم: «فإذا لقيتموهم فاصبروا» فالصبر في القتال والحرب فرض على المسلم ما دام ذلك في قدرته وطاقته، وإنما يأتي النصر لمن صبر أكثر، «واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف»، أي: أن لقاء العدو والنزال بالسيوف من الأسباب الموجبة للجنة، ثم سأل الله تعالى النصر، فقال: «اللهم منزل الكتاب»، وهو القرآن، «ومجري السحاب» بالأمطار والصواعق ونحوها، «وهازم الأحزاب» وهم الأحزاب الذين اجتمعوا عليه صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق (الأحزاب)، فهزمهم الله بالريح العاصفة من دون قتال، «اهزمهم وانصرنا عليهم»
وهو يشير بإنزال الكتاب إلى قوله تعالى: {قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين} [التوبة: 14]، ويشير بـ«مجري السحاب» إلى القدرة الظاهرة في تسخير السحاب، حيث يحرك الريح السحاب بمشيئة الله، وحيث يستمر في مكانه مع هبوب الريح بمشيئة الله، وحيث يمطر السحاب تارة، ولا يمطر أخرى، فأشار بحركته إلى إعانة المجاهدين في حركتهم في القتال، وبوقوفه إلى إمساك أيدي الكفار عنهم، وبإنزال المطر إلى غنيمة ما معهم، حيث يكون قتلهم، وبعدمه إلى هزيمتهم، حيث لا يحصل الظفر بشيء منهم، وكلها أحوال صالحة للمسلمين، وأشار بـ«هازم الأحزاب» إلى التوسل بالنعمة السابقة في غزوة الأحزاب، وإلى تجريد التوكل واعتقاد أن الله هو المنفرد بالفعل
وفي الحديث: النهي عن تمني لقاء العدو، وهذا غير تمني الشهادة
وفيه: أن الإنسان إذا لقي العدو فإن الواجب عليه أن يصبر
وفيه: الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة