باب الصبر على البلاء5
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن طريف، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي سفيان
عن أنس، قال: جاء جبريل ذات يوم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو جالس حزين، قد خضب بالدماء، قد ضربه بعض أهل مكة، فقال: ما لك؟ فقال: "فعل بي هؤلاء وفعلوا" قال: أتحب أن أريك آية؟ قال: "أرني (1) " فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، قال: ادع تلك الشجرة. فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه، قال: قل لها فلترجع، فقال لها، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "حسبي" (2)
تَحمَّل النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم المصاعِبَ والأذى في سَبيلِ نشْرِ الإسلامِ ودعوةِ الحقِّ، وقد أيَّدَه اللهُ تعالى وثبَّت قلبَه بالمعجزاتِ والآياتِ.
وفي هذا الحديثِ بَيانٌ لبعضِ هذه المعاني، حَيث يَقولُ أَنسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه: "جاء جِبريلُ عليه السَّلامُ ذاتَ يومٍ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وهو جالِسٌ حَزينٌ قد خُضِب بالدِّماءِ"، أي: قد طُلِي بالدِّماءِ مِن أثَرِ سيَلانِ الدَّمِ منه، "قد ضَرَبَه بعضُ أهلِ مكَّةَ"، أي: آذَوْه وضرَبوه حتَّى أُدْمِي، فقال له جبريلُ عليه السَّلام: "ما لَك؟" وهذا مِن المواساةِ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "فعَل بي هؤلاءِ وفعَلوا"، أي: يَشْكو ويبُثُّ له أذَى قومِه، فقال جبريلُ: "أتُحِبُّ أنْ أُرِيَك آيةً؟"، أي: علامةً ومعجِزةً لِتثُبِّتَه وتُزيلَ عنه، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نعَم أرِني"، قال أنسٌ رَضِي اللهُ عَنه: "فنَظَر إلى شَجرةٍ مِن وراءِ الوادي"، أي: أبصَر جِبريلُ شجرةً عن بُعدٍ، فقال للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ادْعُ تلك الشَّجرةَ"، أي: نادِها وأْمُرْها أن تَأتِيَ لك، قال أنسٌ: "فدَعاها فجاءَت تَمْشي حتَّى قامَت بين يدَيْه"، أي: حتَّى وقَفَتْ بينَ يدَيه، قال جبريلُ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "قُل لها فلْتَرجِعْ، فقال لها، فرَجَعَتْ حتَّى عادَت إلى مكانِها"، وهذا مِن تسخيرِ اللهِ وأمرِه للشَّجرةِ أن تُطيعَ أمْرَ رسولِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "حَسْبي"، أي: تَكْفيني هذه النِّعمةُ والمعجزةُ أن تُفرِّجَ ما بي.
وفي الحديثِ: تثبيتُ اللهِ لنَبيِّه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بالمعجِزاتِ.