باب العقيقة3
سنن ابن ماجه
![باب العقيقة3](https://ghondur.com/a/uploads/images/202302/image_750x_63deb61227b95.jpg)
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا عبد الله بن نمير، حدثنا هشام بن حسان، عن حفصة بنت سيرين
عن سلمان بن عامر، أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إن مع الغلام عقيقته، فأهريقوا عنه دما، وأميطوا عنه الأذى" (2)
قوله ( عن سلمان بن عامر ) هو الضبي ، وهو صحابي سكن البصرة ، ما له في البخاري غير هذا الحديث ، وقد أخرجه من عدة طرق موقوفا ومرفوعا موصولا من الطريق الأولى لكنه لم يصرح برفعه فيها ; ومعلقا من الطرق الأخرى صرح في طريق منها بوقفه وما عداها مرفوع . قال الإسماعيلي لم يخرج البخاري في الباب حديثا صحيحا على شرطه ، أما حديث حماد بن زيد يعني الذي أورده موصولا فجاء به موقوفا وليس فيه ذكر إماطة الأذى الذي ترجم به ، وأما حديث جرير بن حازم فذكره بلا خبر ، وأما حديث حماد بن سلمة فليس من شرطه في الاحتجاج .
قلت : أما حديث حماد بن زيد فهو المعتمد عليه عند البخاري ، لكنه أورده مختصرا ، فكأنه سمعه كذلك من شيخه أبي النعمان ، واكتفى به كعادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض الحديث الذي يورده ، وقد أخرجه أحمد عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد فزاد في المتن " فأهريقوا عنه دما ، وأميطوا عنه الأذى " ولم يصرح برفعه ، وأخرجه أيضا عن يونس بن محمد عن حماد بن زيد عن هشام عن محمد بن سيرين فصرح برفعه ، وأخرجه أيضا عن عبد الوهاب عن ابن عون وسعيد عن محمد بن سيرين عن سلمان مرفوعا ، وأخرجه الإسماعيلي من طريق سليمان بن حرب عن حماد بن زيد عن أيوب فقال فيه " رفعه " وأما حديث جرير بن حازم وقوله إنه ذكره بلا خبر ، يعني لم يقل في أول الإسناد أنبأنا أصبغ بل قال " قال أصبغ " لكن أصبغ من شيوخ البخاري قد أكثر عنه في الصحيح ، فعلى قول الأكثر هو موصول كما قرره ابن الصلاح في " علوم الحديث " وعلى قول ابن [ ص: 505 ] حزم هو منقطع وهذا كلام الإسماعيلي يشير إلى موافقته ، وقد زيف الناس كلام ابن حزم في ذلك ، وأما كون حماد بن سلمة على شرطه في الاحتجاج فمسلم ، لكن لا يضره إيراده للاستشهاد كعادته .
قوله ( وقال حجاج ) هو ابن منهال ، وحماد هو ابن سلمة ، وقد وصله الطحاوي وابن عبد البر والبيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن حجاج بن منهال " حدثنا حماد بن سلمة به " وقد أخرجه النسائي من رواية عفان والإسماعيلي من طريق حبان بن هلال وعبد الأعلى بن حماد وإبراهيم بن الحجاج كلهم عن حماد بن سلمة فزادوا مع الأربعة الذين ذكرهم البخاري - وهم أيوب وقتادة وهشام وهو ابن حسان وحبيب وهو ابن الشهيد - يونس وهو ابن عبيد ويحيى بن عتيق ، لكن ذكر بعضهم عن حماد ما لم يذكر الآخر ، وساق المتن كله على لفظ حبان ، وصرح برفعه ولفظه " في الغلام عقيقة فأهرقوا عنه الدم ، وأميطوا عنه الأذى " قال الإسماعيلي : وقد رواه الثوري موصولا مجردا ثم ساقه من طريق أبي حذيفة عن سفيان عن أيوب كذلك ، فاتفق هؤلاء على أنه من حديث سلمان بن عامر ، وخالفهم وهيب فقال " عن أيوب عن محمد عن أم عطية قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول مع الغلام " فذكر مثله سواء ، أخرجه أبو نعيم في مستخرجه من رواية حوثرة بن محمد بن أبي هشام عن وهيب به ، ووهيب من رجال الصحيحين وأبو هشام اسمه المغيرة بن سلمة احتج به مسلم وأخرج له البخاري تعليقا ووثقه ابن المديني والنسائي وغيرهما ، وحوثرة بحاء مهملة ومثلثة وزن جوهرة بصري يكنى أبا الأزهر احتج به ابن خزيمة في صحيحه ، وأخرج عنه من الستة ابن ماجه ، وذكر أبو علي الجياني أن أبا داود روى عنه في كتاب بدء الوحي خارج السنن ، وذكره ابن حبان في الثقات ، فالإسناد قوي إلا أنه شاذ ، والمحفوظ عن محمد بن سيرين عن سلمان بن عامر ، فلعل بعض رواته دخل عليه حديث في حديث .
قوله ( وقال غير واحد عن عاصم وهشام عن حفصة بنت سيرين عن الرباب عن سلمان بن عامر الضبي عن النبي صلى الله عليه وسلم ) قلت من الذين أبهمهم عن عاصم سفيان بن عيينة أخرجه أحمد عنه بهذا الإسناد فصرح برفعه ، وذكر المتن المذكور وحديثين آخرين : أحدهما في الفطر على التمر ، والثاني في الصدقة على ذي القرابة ، وأخرجه الترمذي من طريق عبد الرزاق والنسائي عن عبد الله بن محمد الزهري كلاهما عن ابن عيينة بقصة العقيقة حسب ، وقال النسائي في روايته عن الرباب عن عمها سلمان به ، والرباب بفتح الراء وبموحدتين مخففا ما لها في البخاري غير هذا الحديث ، وممن رواه عن هشام بن حسان عبد الرزاق أخرجه أحمد عنه عن هشام بالأحاديث الثلاثة ، وأخرجه أبو داود والترمذي من طريق عبد الرزاق ، ومنهم عبد الله بن نمير أخرجه ابن ماجه من طريقه عن هشام به ، وأخرجه أحمد أيضا عن يحيى القطان ومحمد بن جعفر كلاهما عن هشام لكن لم يذكر الرباب في إسناده ، وكذا أخرجه الدارمي عن سعيد بن عامر والحارث بن أبي أسامة عن عبد الله بن بكير السهمي كلاهما عن هشام .
قوله ( ورواه يزيد بن إبراهيم عن ابن سيرين عن سلمان قوله ) قلت : وصله الطحاوي في " بيان المشكل " فقال " حدثنا محمد بن خزيمة حدثنا حجاج بن منهال حدثنا يزيد بن إبراهيم به موقوفا " . [ ص: 506 ] قوله ( وقال أصبغ أخبرني ابن وهب إلخ ) وصله الطحاوي عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن وهب به قال الإسماعيلي : ذكر البخاري ابن وهب بلا خبر ، وقد قال أحمد بن حنبل : حديث جرير بن حازم كأنه على التوهم أو كما قال . قلت : لفظ الأثرم عن أحمد حدث بالوهم بمصر ولم يكن يحفظ ، وكذا ذكر الساجي اهـ وهذا مما حدث به جرير بمصر ، لكن قد وافقه غيره على رفعه عن أيوب ، نعم قوله عن محمد " حدثنا سلمان بن عامر " هو الذي تفرد به ، وبالجملة فهذه الطرق يقوي بعضها بعضا ، والحديث مرفوع لا يضره رواية من وقفه .
قوله ( مع الغلام عقيقة ) تمسك بمفهومه الحسن وقتادة فقالا : يعق عن الصبي ولا يعق عن الجارية ، وخالفهم الجمهور فقالوا : يعق عن الجارية أيضا ، وحجتهم الأحاديث المصرحة بذكر الجارية ، وسأذكرها بعد هذا ، فلو ولد اثنان في بطن استحب عن كل واحد عقيقة ، ذكره ابن عبد البر عن الليث وقال : لا أعلم عن أحد من العلماء خلافه . قوله ( فأهريقوا عنه دما ) كذا أبهم ما يهراق في هذا الحديث وكذا في حديث سمرة الآتي بعده ، وفسر ذلك في عدة أحاديث منها حديث عائشة أخرجه الترمذي وصححه من رواية يوسف بن ماهك " أنهم دخلوا على حفصة بنت عبد الرحمن - أي ابن أبي بكر الصديق - فسألوها عن العقيقة ، فأخبرتهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " وأخرجه أصحاب السنن الأربعة من حديث أم كرز أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن العقيقة فقال عن الغلام شاتان وعن الجارية شاة واحدة ، ولا يضركم ذكرانا كن أو إناثا " قال الترمذي صحيح ، وأخرجه أبو داود والنسائي من رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه أثناء حديث قال " من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل : عن الغلام شاتان مكافئتان ، وعن الجارية شاة " قال داود بن قيس رواية عن عمرو : سألت زيد بن أسلم عن قوله مكافئتان فقال : متشابهتان تذبحان جميعا أي لا يؤخر ذبح إحداهما عن الأخرى " وحكى أبو داود عن أحمد المكافئتان المتقاربتان ، قال الخطابي : أي في السن .
وقال الزمخشري : معناه متعادلتان لما يجزي في الزكاة وفي الأضحية ، وأولى من ذلك كله ما وقع في رواية سعيد بن منصور في حديث أم كرز من وجه آخر عن عبيد الله بن أبي يزيد بلفظ " شاتان مثلان " ووقع عند الطبراني في حديث آخر " قيل : ما المكافئتان ؟ قال المثلان " وما أشار إليه زيد بن أسلم من ذبح إحداهما عقب الأخرى حسن ، ويحتمل الحمل على المعنيين معا ، وروى البزار وأبو الشيخ من حديث أبي هريرة رفعه " أن اليهود تعق عن الغلام كبشا ولا تعق عن الجارية ، فعقوا عن الغلام كبشين وعن الجارية كبشا " وعند أحمد من حديث أسماء بنت يزيد عن النبي صلى الله عليه وسلم " العقيقة حق عن الغلام شاتان مكافئتان وعن الجارية شاة " وعن أبي سعيد نحو حديث عمرو بن شعيب أخرجه أبو الشيخ ، وتقدم حديث ابن عباس أول الباب ، وهذه الأحاديث حجة للجمهور في التفرقة بين الغلام والجارية ، وعن مالك هما سواء فيعق عن كل واحد منهما شاة ، واحتج له بما جاء " أن النبي صلى الله عليه وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا " أخرجه أبو داود ولا حجة فيه فقد أخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " كبشين كبشين " وأخرج أيضا من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مثله ، وعلى تقدير ثبوت رواية أبي داود فليس في الحديث ما يرد به الأحاديث المتواردة في التنصيص على التثنية للغلام ، بل غايته أن يدل على جواز الاقتصار ، وهو كذلك ، فإن العدد ليس شرطا بل [ ص: 507 ] مستحب . وذكر الحليمي أن الحكمة في كون الأنثى على النصف من الذكر أن المقصود استبقاء النفس فأشبهت الدية ، وقواه ابن القيم بالحديث الوارد في أن من أعتق ذكرا أعتق كل عضو منه ، ومن أعتق جاريتين كذلك ، إلى غير ذلك مما ورد . ويحتمل أن يكون في ذلك الوقت ما تيسر العدد . واستدل بإطلاق الشاة والشاتين على أنه لا يشترط في العقيقة ما يشترط في الأضحية ، وفيه وجهان للشافعية ، وأصحهما يشترط وهو بالقياس لا بالخبر ، ويذكر الشاة والكبش على أنه يتعين الغنم للعقيقة ، وبه ترجم أبو الشيخ الأصبهاني ونقله ابن المنذر عن حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر ، وقال البندنيجي من الشافعية : لا نص للشافعي في ذلك ، وعندي أنه لا يجزئ غيرها ، والجمهور على إجزاء الإبل والبقر أيضا ، وفيه حديث عند الطبراني وأبي الشيخ عن أنس رفعه " يعق عنه من الإبل والبقر والغنم " ونص أحمد على اشتراط كاملة ، وذكر الرافعي بحثا أنها تتأدى بالسبع كما في الأضحية والله أعلم .
قوله ( وأميطوا ) أي أزيلوا وزنا ومعنى .
قوله ( الأذى ) وقع عند أبي داود من طريق سعيد بن أبي عروبة وابن عون عن محمد بن سيرين قال " إن لم يكن الأذى حلق الرأس فلا أدري ما هـو " وأخرج الطحاوي من طريق يزيد بن إبراهيم عن محمد بن سيرين قال " لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى " اهـ . وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس ، وأخرجه أبو داود بسند صحيح عن الحسن كذلك ، ووقع في حديث عائشة عند الحاكم " وأمر أن يماط عن رءوسهما الأذى " ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس ، فقد وقع في حديث ابن عباس عند الطبراني " ويماط عنه الأذى ويحلق رأسه " فعطفه عليه ، فالأولى حمل الأذى على ما هـو أعم من حلق الرأس ، ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب " ويماط عنه أقذاره " رواه أبو الشيخ .