باب الغيرة 3

سنن النسائي

باب الغيرة 3

أخبرنا الحسن بن محمد الزعفراني قال: حدثنا حجاج، عن ابن جريج، عن عطاء، أنه سمع عبيد بن عمير يقول: سمعت عائشة، تزعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمكث عند زينب بنت جحش فيشرب عندها عسلا، فتواصيت أنا وحفصة أن أيتنا دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فلتقل: إني أجد منك ريح مغافير أكلت مغافير، فدخل على إحداهما، فقالت: ذلك له، فقال: «لا، بل شربت عسلا عند زينب بنت جحش، ولن أعود له» فنزلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} [التحريم: 1] {إن تتوبا إلى الله} [التحريم: 4] لعائشة وحفصة و {إذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} [التحريم: 3] لقوله: «بل شربت عسلا»

كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم خيرَ الناسِ لأهلِه وأزواجِه، وكان أزواجُه مِن حُبِّهنَّ له يُظْهِرْنَ الغَيْرةَ نحوَه، مِثلَ ما يقَعُ مِن باقي النِّساءِ في حقِّ أزواجِهنَّ مِن الغَيرةِ والمضايَقاتِ وما شابَه كما يَحكي أنَسُ بنُ مالكٍ رَضِي اللهُ عَنه في هذا الحديثِ: "أنَّ رَسولَ اللهِ كانَتْ له أمَةٌ يَطُؤُها"، أي: يُجامِعُها، والمرادُ بالأمَةِ: مارِيَةُ القِبْطيَّةُ أمُّ ولَدِه إبراهيمَ، فلَم تزَلْ به زَوجتاهُ عائِشةُ بنتُ أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ وحَفصةُ بنتُ عُمرَ بنِ الخَطَّابِ رضِيَ اللهُ عنهم، أي: ما زالَ يقَعُ مِنهما أمورٌ ومُحاوَلاتٌ مع رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بفِعْلِ غَيرتِهما ضِدَّ الأَمَةِ، وحاوَلَتا أنْ يُحرِّمَها على نفْسِه، "حتَّى حرَّمَها على نفْسِه"، أي: استَجاب النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فامتَنَع عن قُربِها، "فأنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التحريم: 1]"، أي: لِمَ تُحرِّمُ على نَفْسِك الحلالَ الَّذي أحَلَّه اللهُ لك؛ تَلتمِسُ بتَحريمِك ذلك مَرْضاةَ أزواجِك؟! وقد شرَع اللهُ لنَبيِّه في قَضيَّةِ تَحريمِ أَمَتِه يُكفِّرُ عن هذا كَفَّارةَ يَمينٍ، فقال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ}، وكذلك إنْ كان قد حرَّم على نفْسِه العسَلَ
وفي الصَّحيحينِ أنَّ سبَبَ نُزولِ تلك الآيةِ ما أخبَرَت به عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها: "أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم كان يَمكُثُ عِندَ زَينَبَ بنتِ جَحشٍ، ويَشرَبُ عِندَها عسَلًا، فتَواصَيتُ أنا وحَفصةُ: أنَّ أيَّتَنا دخَل عليها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم فلْتَقُلْ: إنِّي أجِدُ مِنك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلْتَ مَغافيرَ؟ فدَخَل على إحداهُما، فقالَت له ذلك، فقال: «لا، بل شَرِبتُ عسَلًا عِندَ زَينبَ بنتِ جَحشٍ، ولَن أَعُودَ له» فنزلَت: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: 1]"، ولا مانِعَ مِن تَعدُّدِ أسبابِ النُّزولِ
وفي الحديثِ: بيانُ وُقوعِ الغَيرةِ بينَ الضَّرائرِ؛ حتَّى عندَ الفُضْلَيَاتِ الصَّالحاتِ وأمَّهاتِ المؤمِنين