باب الفزع والأرق وما يتعوذ منه2
سنن ابن ماجه
حدثنا محمد بن بشار، حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري، حدثني عيينة بن عبد الرحمن، حدثني أبي
عن عثمان بن أبي العاص، قال: لما استعملني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على الطائف، جعل يعرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي، فلما رأيت ذلك، رحلت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "ابن أبي العاص؟ " قلت: نعم يا رسول الله. قال: "ما جاء بك؟ " قلت: يا رسول الله، عرض لي شيء في صلاتي، حتى ما أدري ما أصلي. قال: "ذاك الشيطان، ادنه" فدنوت منه، فجلست على صدور قدمي، قال: فضرب صدري بيده، وتفل في فمي، وقال: "اخرج عدو الله" ففعل ذلك ثلاث مرات، ثم قال: "الحق بعملك" قال: فقال عثمان: فلعمري ما أحسبه خالطني بعد (1)
الشَّيطانُ هو العدُوُّ الددودُ للإنسانِ، ويتربَّصُ به، وقد علَّمَنا النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كيف نَقِي أنفُسَنا مِن شَرِّ الشَّيطانِ والجنِّ بالرُّقيةِ الشَّرعيَّةِ من القُرآنِ والسُّنَّةِ والأدعيةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ عُثمانُ بنُ أبي العاصِ رضِيَ اللهُ عنه: "لَمَّا استعمَلَني رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ"، أي: ولَّاني وجعَلَني واليًا، "على الطَّائفِ، جعَلَ يعرِضُ لي شَيءٌ في صَلاتي"، أي: يأْتيني شَيءٌ مِن الجِنِّ في الصَّلاةِ، "حتَّى ما أدري ما أُصَلِّي، فلمَّا رأيْتُ ذلك رحلْتُ"، أي: سافرْتُ، "إلى رسولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لمَّا رآهُ: "ابنُ أبي العاصِ؟" قال عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: قلْتُ: "نعمْ يا رسولَ اللهِ"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ما جاء بك؟" أي: ما هو سبَبُ رُجوعِك إلى المدينةِ؟ قال عُثمانُ: "يا رسولَ اللهِ، عرَضَ لي شَيءٌ في صَلواتي حتَّى ما أدري ما أُصَلِّي"، فقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "ذاك الشَّيطانُ، ادْنُهْ"، أي: اقترِبْ مِنِّي، قال عُثمانُ: "فدنَوْتُ منه، فجلَسْتُ على صُدورِ قَدَمي"، أي: على مُقْدَّمِ القدمَينِ، "فضرَبَ صَدْري بيَدِه"، أي: ضرَبَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صدْرَ ابنِ أبي العاصِ ضَربًا خفيفًا، "وتفَلَ في فَمِي"، أي: وبصَقَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في فَمِه من رِيقِه، وقال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُخاطبًا الجِنِّيَ أو مُوجِّهًا الكلامَ له: "اخرُجْ عدُوَّ اللهِ! ففعَلَ ذلك ثلاثَ مرَّاتٍ"، أي: وكرَّرَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضرْبَ صَدْرِه والتَّفلَ والأمرَ بالخُروجِ ثلاثَ مرَّاتٍ، ثمَّ قال النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "الْحَقْ بعمَلِك"، أي: أمَرَه بالرُّجوعِ إلى الطَّائفِ. قال عُثمانُ رضِيَ اللهُ عنه: "فلَعَمْرِي"، أي: لَحياتي، وهو مِن بابِ التَّأكيدِ لكلامِه وليس للقسَمِ، "ما أحسَبُه خالَطَني بعدُ"، أي: ما أشكُّ أنَّ الشَّيطانَ أتاني بعدَ رُقْيَةِ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ.
وفي الحديثِ: دليلٌ على تلبُّسِ الشَّيطانِ والجنِّ بالإنسانِ.
وفيه: دليلٌ على مُعالجةِ المَمْسوسِ بالرُّقيَةِ الشَّرعيَّةِ ويقومُ بذلك الصَّالحونَ