باب الكرم والجود والإنفاق في وجوه الخير ثقة بالله تعالى19
بطاقات دعوية
وعنه، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يمشي بفلاة من الأرض، فسمع صوتا في سحابة، اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء، فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته، فقال له: يا عبد الله، ما اسمك؟ قال: فلان للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه، يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها، فقال: أما إذ قلت هذا، فإني أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه». رواه مسلم. (1)
«الحرة» الأرض الملبسة حجارة سوداء. و «الشرجة» بفتح الشين المعجمة وإسكان الراء وبالجيم: هي مسيل الماء
الإنفاق في سبيل الله مع التقوى والإخلاص أمر حثت عليه كل الشرائع السماوية، وجعل الله عليه أجرا عظيما
وفي هذا الحديث يخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن قصة رجل يتقي الله في ماله، ويعرف الحقوق التي عليه فيؤديها، وكيف أن الله يجازي بالإحسان إحسانا، فيخبر صلى الله عليه وسلم أنه بينما رجل بفلاة من الأرض، والفلاة: البرية والصحراء التي لا نبات بها، فسمع صوتا غيبيا في السحاب، لا يرى من يقوله، وكأنه ملك يأمر السحابة، فيقول لها: «اسق حديقة فلان»، والحديقة: هي الأرض ذات الشجر أو النخل، وفلان: كناية عن اسم صاحب الحديقة، فاتجه ذلك السحاب إلى المكان الذي سمي له صاحبه استجابة لأمره، فأمطر ما فيه من ماء في حرة، وهي أرض فيها حجارة سوداء كأنها أحرقت بالنار، «فإذا شرجة من تلك الشراج»، أي: فتحة من فتحات مسايل الماء، «قد استوعبت ذلك الماء كله»، أي: امتلأت بذلك الماء، «فتتبع الرجل» سيلان الماء من تلك الفتحة والمسيل إلى أين يذهب، فإذا به يجد رجلا قائما واقفا في حديقته يتلقى الماء الذي يأتيه من ذلك المسيل، ويحوله بالمجرفة من الحديد أو بفأسه إلى أرضه ليسقيها، وينقل الماء من مكان إلى آخر في الحديقة، فسأله الرجل الذي سمع الصوت في السحابة وتتبع الماء حتى وصل إلى الحديقة، وقال له: «يا عبد الله، ما اسمك؟» فقال صاحب الحديقة: اسمي «فلان»، وهو الاسم الذي سمعه في السحابة، ثم قال له صاحب الحديقة: «يا عبد الله، لم تسألني عن اسمي؟» فأخبره قصة الصوت الذي سمعه في السحاب، وأنه تتبع تلك السحابة ومسيل الماء حتى أتى حديقته، وسأل صاحب الحديقة: ماذا تصنع في محصولها وثمرها من الخير؟ أو ماذا تفعل من أعمال صالحة كانت السبب فيما سمعته في السحاب حتى تستحق هذه الكرامة؟ فقال صاحب الحديقة: «أما إذ قلت هذا» أي: سألت عن السبب، «فإني أنظر إلى ما يخرج» من هذه الحديقة من الثمار، وأحسب قدره وأقسمه إلى ثلاثة أثلاث «فأتصدق بثلثه»، وفي رواية أخرى لمسلم: «وأجعل ثلثه في المساكين»، ويشمل الفقراء ونحوهم، «والسائلين» وهو الذي يسأل الطعام أو حاجته، «وابن السبيل» وهو المسافر المجتاز الذي يحتاج نفقة توصله إلى موطنه، «وآكل أنا وعيالي ثلثا، وأرد فيها ثلثه»، أي: إن صاحب الحديقة يراعي الحقوق في ثمرها؛ فيخرج حق الفقراء والمساكين ثلثا، ويأكل هو وأولاده ثلثها، ويرد الثلث الأخير في عمارتها وحفظ أصلها، فينفقه في مؤنة عمل الحديقة بذورا وحرثا وتهيئة وغير ذلك؛ ليتجدد الزرع والمحصول
وهذا الحديث دليل على صحة القول بكرامات الأولياء، وأن الولي يكون له مال، وضيعة، ولا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم الذي رواه الترمذي: «لا تتخذوا الضيعة، فترغبوا في الدنيا»؛ لأن المقصود بالنهي إنما هو من اتخذها مستكثرا، وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله، وأخرج حق الله عز وجل فيها؛ فإنه من أفضل الأعمال، وهي من أفضل الأموال
وفي الحديث: بيان فضيلة الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين.
وفيه: بيان فضيلة أن يجعل المرء حصة معلومة من دخله للإنفاق في سبيل الله، ويعزله عن استعماله؛ فإنه يعينه على كثير عن أعمال البر والخير.
وفيه: بيان فضل أكل الإنسان من كسبه، والإنفاق على عياله منه.
وفيه: أن العبد إذا أحسن تدبير النعمة؛ فإن الله تعالى يتولى أمره، ولا يضيعه.
وفيه: تنبيه على الاقتداء بمثل هذا الفعل، وأنه من الأعمال الصالحة.