باب المنديل

بطاقات دعوية

باب المنديل

 عن سعيد بن الحارث عن جابر بن عبد الله - رضى الله عنهما -: أنه سأله عن الوضوء مما مست النار؟ فقال: لا؛ قد كنا زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا، فإذا نحن وجدناه؛ لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا، ثم نصلى ولا نتوضأ.

مِن حِكمةِ اللهِ تعالَى أنْ نَسَخ بَعضَ الأحكامِ مِن تَحليلٍ إلى تَحريمٍ، أو العكسِ، ومِن الحِكَمِ في ذلك: تَيسيرُ أُمورِ الدِّينِ على النَّاسِ، ومِن هذا التَّيسيرُ: تَرْكُ الوُضوءِ بعْدَ أكْلِ الطَّعامِ الذي أُنضِجَ على النَّارِ.
وفي هذا الحَديثِ يحكي التَّابِعيُّ سعيدُ بنُ الحارِثِ أنَّ جابرَ بنَ عَبدِ اللهِ رضِيَ اللهُ عنهما سُئلَ عَنِ الوُضوءِ من الطَّعامِ الذي أُنضِجَ بالنَّارِ، فَأجاب بأنَّه لَيس لازِمًا الوُضوءُ بِتلكَ العِلَّةِ.
ثُمَّ بَيَّن السَّببَ، فَقال: «قَدْ كُنَّا زَمانَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا نَجِدُ مِثلَ ذَلكَ مِنَ الطَّعامِ إلَّا قَليلًا» يَعني: لَمْ يَكنْ مُرهِقًا لَنا الوُضوءُ مِن ذَلكَ؛ لأنَّنا لا نَأكُلُ هذا الطَّعامَ إلَّا قَليلًا، وكان أكثَرُ طعامِهم لا يحتاجُ للنَّارِ، فإذا نَحنُ وَجدْناهُ لم يَكنْ لَنا مَناديلُ -جمعُ مِنديلٍ، وهو ما يُمسَحُ به- إلَّا أكُفُّنا وسَواعِدُنا وأقدامُنا، والمَعنى: أنَّهم كانوا يَمسَحونَ أثَرَ الطَّعامِ وما بَقِيَ منه في أصابعِهِم بالأكُفِّ -جمعُ كَفٍّ، وهي راحةُ اليَدِ مع الأصابِعِ، سُمِّيَت بذلك لأنها تكفُّ الأذى عن البَدَنِ- والسَّواعِدِ -جمعُ ساعدٍ، وهو من الإنسانِ ما بين المَرفِقِ والكَفِّ، سُمِّيَ ساعدًا لأنَّه يُساعِدُ الكَفَّ في بَطْشِها وعَمَلِها-والأقدامِ، وهي معروفةٌ. قال: «ثُمَّ نُصلِّي وَلا نَتوضَّأُ» يَعني: وَلا يُنكِرُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ذَلكَ عَلينا.
وفي صحيحِ مُسلمٍ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: «توضَّؤوا ممَّا مَسَّت النَّارُ»، قيل: إنَّ الأمرَ بالوُضوءِ مِمَّا مَسَّت النَّارُ مَنسوخٌ، وإنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَرَك الوُضوءَ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ قَبْل وَفاتِه؛ فقد روَى أبو داودَ والنَّسائيُّ وغيرُهما عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: «كان آخرُ الأَمْرينِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَرْكَ الوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ». وقيل: المرادُ بالوُضوءِ ممَّا مَسَّتِ النَّارُ هو غَسْلُ الفَمِ والكفَّين.
وفي الحَديثِ: عدَمُ الإلزامِ بوُضوءٍ جديدٍ بعْدَ أكْلِ ما أُنضِجَ على النَّارِ.
وفيه: مَشروعيَّةُ أن يصَلِّيَ المرءُ أكثَرَ مِن صلاةٍ بوُضوءٍ واحدٍ.
وفيه: بَيانُ شِدَّةِ الحالِ التي كان يَعيشُها الصَّحابةُ رضِي اللهُ عنهم.