باب النهى عن صوم الدهر لمن تضرر به، أو فوت به حقا أو لم يفطر العيدين والتشريق، وبيان تفضيل صوم يوم وإفطار يوم
بطاقات دعوية
حديث عبد الله بن عمرو، قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم وأصلي الليل، فإما أرسل إلي وإما لقيته، فقال: ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر وتصلي؛ فصم وأفطر وقم ونم، فإن لعينك عليك حظا، وإن لنفسك وأهلك عليك حظا قال: إني لأقوى لذلك قال: فصم صيام داود عليه السلام قال: وكيف قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما، ولا يفر إذا لاقى قال: من لي بهذه، يا نبي الله قال عطاء (أحد الرواة) : لا أدري كيف ذكر صيام الأبد قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا صام من صام الأبد مرتين
وضع الإسلام لكل عبادة ضوابط وأحكاما راعى فيها المواءمة بين أركان الحياة البشرية للإنسان؛ فجعل للعبادة مواقيت محددة في اليوم والليلة وعلى مدار العام، وأمر المسلمين بأن يأخذوا حظهم من الدنيا ولا ينسوا حق الله في العبادة؛ فوازن بين حياة الجسد وحياة القلوب والأرواح
وفي هذا الحديث بيان لذلك، حيث يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: "بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أصوم أسرد"، أي: أواصل صيام كل الأيام، ولا أفصل بينها بفطر بعضها، "وأصلي الليل"، أي: أصلي وأقوم الليل كله، قال: "فإما أرسل إلي، وإما لقيته"، أي: يشك عبد الله هل النبي صلى الله عليه وسلم أرسل إليه يستدعيه أم أنه قابل النبي صلى الله عليه وسلم مصادفة، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟! فلا تفعل"، أي: فلا تفعل العبادة بهذه الطريقة المتواصلة، ثم بين له العلة، فقال: "فإن لعينك حظا، ولنفسك حظا"، أي: إن لهم نصيبا من الرفق بهما، ومراعاة حقهما، "ولأهلك حظا"، أي: لزوجتك وأولادك وقرابتك، وأما حق الزوجة فهو في الوطء والمعاشرة الحسنة، وأما الأولاد والقرابة فحقهم هو في الرفق بهم، والإنفاق عليهم، ومؤاكلتهم وتأنيسهم، وملازمة ما التزمه من سرد الصوم، وقيام الليل يؤدي إلى امتناع تلك الحقوق كلها
ثم أرشده النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: "وصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيام يوما ولك أجر تسعة"، وهذا في المعنى موافق لرواية الصحيحين التي قال فيها: "صم من كل شهر ثلاثة أيام؛ فإن الحسنة بعشر أمثالها"
قال عبد الله: "إني أقوى لذلك يا رسول الله، قال: صم صيام داود إذن، قال: وكيف كان صيام داود يا نبي الله؟ قال: كان يصوم يوما ويفطر يوما"، وهذا تنبيه من النبي صلى الله عليه وسلم على أن صوم يوم وإفطار يوم لا يضعف ملتزمه، بل يحفظ قوته، وذلك بخلاف سرد الصوم؛ فإنه ينهك البدن والقوة، ويزيل روح الصوم؛ لأنه يعتاده، فلا يبالي به، ولا يجد له معنى، "ولا يفر إذا لاقى"، أي: لا يفر من العدو إذا لقيه في الحرب؛ لقوة نفسه بما أبقى فيها في غير إنهكاك لها بصوم أو ترك النوم
وفي الحديث: الأمر بالترفق في العبادة، مع المحافظة عليها وعلى الفرائض والنوافل؛ ليراعي المسلم حقوق غيره عليه
وفيه: أن الحقوق إذا تعارضت قدم الأولى على غيره