باب النهي عن الإمساك في الحياة والتبذير عند الموت 2
سنن ابن ماجه
حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا حريز بن عثمان، حدثني عبد الرحمن بن ميسرة، عن جبير بن نفيرعن بسر بن جحاش القرشي، قال: بزق النبي - صلى الله عليه وسلم - في كفه، ثم وضع إصبعه السبابة وقال: "يقول الله عز وجل: أنى تعجزني ابن آدم، وقد خلقتك من مثل هذه، فإذا بلغت نفسك هذه -وأشار إلى حلقه- قلت: أتصدق، وأنى أوان الصدقة؟ " (1).
كان النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحسنَ الناسِ تَعليمًا، وقد عَلَّم أُمَّتَه بقولِه وفِعلِه، وحثَّهم على استباقِ الأجلِ بالأعمالِ الصَّالحةِ.
وفي هذا الحديثِ يقولُ بُسرُ بنُ جَحَّاشٍ القرشيُّ رضِيَ اللهُ عنه: "بزَقَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في كَفِّه"، أي: تفَلَ وبصَقَ بعضَ رِيقِه ولُعابِه في كَفِّ يدِه، "ثمَّ وضَعَ أصبعَه السَّبابةَ"، أي: أشار بالسَّبابةِ إلى البَصقةِ، وقال: "يقولُ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: أنَّى تُعْجزِني ابنُ آدمَ وقد خلقْتُك مِن مثْلِ هذه!"، أي: وقد خلَقَ اللهُ الإنسانَ مِن النُّطفةِ الَّتي تُشبِهُ هذا الماءَ في الحَجمِ والضَّعفِ، "فإذا بلَغَت نفسُك هذه- وأشار إلى حلْقِه-"، أي: إذا بلَغَت الرُّوحُ الحُلقومَ عندَ الموتِ، كِنايةٌ عن قُربِ الموتِ وحُضورِه، "قلْتَ: أتصدَّقُ، وأنَّى أوانُ الصَّدقةِ؟!"، أي: تذكُرُ الصَّدقةَ وأعمالَ الخيرِ، وليس هذا الأوانُ أوانَ الصَّدقةِ، بل كان يَنْبغي أنْ يتصدَّقَ قبلَ ذلك في صِحَّتِه وحياتِه.
ومِصداقُ ذلك في كتابِ اللهِ: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (99) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ} [المؤمنون: 99- 100].
وفي الحديثِ: الحثُّ على التَّصدُّقِ والإنفاقِ في سَبيلِ اللهِ قبلَ الموتِ.
وفيه: المُبادرةُ بالأعمالِ الصَّالحةِ؛ لأنَّه لا تعلَمُ نفسٌ متى أجلُها.