باب النهي عن البدع و محدثات الأمور 2

بطاقات دعوية

باب النهي عن البدع و محدثات الأمور 2

عن جابر - رضي الله عنه - ، قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب احمرت عيناه ، وعلا صوته ، واشتد غضبه ، حتى كأنه منذر جيش ، يقول : (( صبحكم ومساكم )) ويقول : (( بعثت أنا والساعة كهاتين )) ويقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى ، ويقول : (( أما بعد ، فإن خير الحديث كتاب الله ، وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وشر الأمور محدثاتها ، وكل بدعة ضلالة )) ثم يقول : (( أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، من ترك مالا فلأهله ، ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي وعلي )) رواه مسلم .

كان النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا مفوها، ويتبع في كلامه ما يؤثر في الناس، وما يعظهم ويبشرهم وينذرهم، وكان يستخدم أدوات التأثير الخطابية؛ من رفع الصوت وخفضه، واستخدام حركة اليد والجسد، وغير ذلك، مما ينبغي للخطباء الاقتداء به فيه
وفي هذا الحديث يخبر جابر بن عبد الله رضي الله عنهما بما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الجمعة؛ فيخبر أنه إذا خطب في الناس، وذكرهم بالوعد والوعيد والأمر والنهي »احمرت عيناه»، أي: اشتدت حمرتهما على ما كانت عليه في العادة، »وعلا صوته، واشتد غضبه»، وهذا يعني أنه كان يتفاعل مع موضوع الخطبة، فيحدث له هذا، ويعني بشدة الغضب أن صفته صفة الغضبان، ويحتمل أنه لما ثبت من بعضهم مخالفة أمره ونهيه، وتقصير بعضهم، وهكذا تكون صفة الواعظ مطابقة للذي هو يتكلم فيه؛ حتى لا يأمر بشيء وضده ظاهر عليه، »حتى كأنه منذر جيش»، وهذا كناية عن علو صوته صلى الله عليه وسلم فيهم، ومنذز الجيش هو: من يراقب العدو ويخبر الناس بأحواله ليستعدوا، فكانت عظة النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الصورة، وذلك من حرصه على الناس، وإنذارهم من الآخرة وعدم الاستعداد لها، فكأنه يحذرهم من ظهور جيش عاد عليهم يأتي إليهم صباحا أو مساء
وكان مما يقوله صلى الله عليه وسلم في خطبه: «بعثت أنا والساعة كهاتين، ويقرن بين إصبعيه: السبابة والوسطى»، يعني أن ما بين زمان النبي صلى الله عليه وسلم ومجيء يوم القيامة قريب كقرب السبابة من الوسطى، فهو آخر الأنبياء بين يدي الساعة، ولذا فهو من علامات قرب الساعة صلى الله عليه وسلم، فلم يبق بعد بعثته إلا وقت أقل مما مضى على قيام الساعة
أما عند بداية الخطبة فكان يقول: «أما بعد» وهي كلمة يفصل بها بين الكلامين عند إرادة الانتقال من كلام إلى غيره، والمعنى: أقول بعد ما تقدم من التشهد والثناء على الله سبحانه وتعالى، «فإن خير الحديث كتاب الله» فما من كلام إلا وكلام الله خير منه، والمقصود بكلام الله القرآن الكريم، «وخير الهدي هدي محمد»، والهدي هو السيرة والسمت، فما من اتباع طريق وسبيل إلا وطريق النبي خير منه، فيجب اتباع طريقه وسيرته وسمته؛ من التوحيد والأحكام والعبادات، «وشر الأمور»، أي: أقبح الأمور الدينية لا الدنيوية «محدثاتها»، أي: مخترعاتها ومبتدعاتها التي ليس لها في الشريعة أصل يشهد لها بالصحة والجواز، وهي المسماة بالبدع، «وكل بدعة ضلالة»، أي: وكل اختراع في الدين من كيفية لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فهي ضلال وميل وبعد عن طريق النبي صلى الله عليه وسلم، وليست من الهدى والرشاد الذي جاء به
ومن خطبه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه»، أي: أحق الناس به في كل شيء من أمور الدنيا والآخرة، كما في قول الله تعالى: {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم} [الأحزاب: 6]؛ فهو أرأف الخلق بهم، وأنفسهم تدعوهم إلى الهلاك، وهو صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى النجاة. وأخبر صلى الله عليه وسلم: أن من مات من المسلمين وله مال، فإن ورثته وعصبته -أي: أقاربه الوارثين- أولى بهذا المال يأخذونه ميراثا، ومن كان عليه دين أو ترك ضياعا -وهم الأولاد الصغار والزوجة ومن لا يستطيع القيام بأمر نفسه- فإن النبي صلى الله عليه وسلم أولى الناس به؛ يسد دينه، ويعول من ترك من أولاده ونسائه، وهذا من حسن أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم ومؤازرته للمسلمين وحرصه على عدم ضياعهم.
وفي رواية: «كانت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة يحمد الله ويثني عليه»، أي: يبدؤها بالحمد والثناء، ومما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة الحاجة التي علمها النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه، هي أن يقول: «إن الحمد لله، نحمده ونستعينه، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله». وهذا الحمد والثناء يصح في بداية كل خطبة
وفي الحديث: الحث على اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الخطبة
وفيه: تنبيه الخطيب إلى التفاعل مع الخطبة للتأثير في الناس
وفيه: البداية بالحمد والثناء على الله في الخطبة